الاثنين، 19 سبتمبر 2011

من الأرض إلى الفضاء-3

لقراءة الأجزاء السابقة من هذا المقال:
من الأرض إلى الفضاء-1
من الأرض إلى الفضاء-2

التأرض الموازى

ليس التأرض بعملية سهلة، تحتاج إلى أموال طائلة و عقود طويلة من الزمن لكى نرى نتيجتها.الحل الآخر و الذى لا يقل عن سابقه صعوبة هو التأرض الموازى أو ما يسمى "البيت العالم worldhouse ". بمعنى أن أى كوكب أو قمر من هؤلاء يمكن أن يستغل كأرض بديلة مع بناء مستعمرات كاملة على هيئة قبب ذات سقف زجاجى تبدأ على مساحات صغيرة ثم تتوسع تدريجا لتشمل معظم مساحة الكوكب أو القمر.
يتم بناء تلك القبب على إرتفاع 1 كم أو أكثر من سطح الكوكب أو القمر و تكون مزودة بنظام ضغط جوي و هواء صالح للتنفس مع تزويدها بأبراج الضغط العالى لتوليد الطاقة. توفر جميع الظروف اللازمة لحياة البشر كالهواء اللازم للتنفس و الدرع الواقى من المجالات الكهرومغناطيسية ، وبالإضافة إلى الطعام و الشراب. يتميز التأرض الموازى عن عمليات التأرض العادية بأن التوسع يتم بشكل تدريجى عند الحاجة فقط على حسب زيادة أعداد السكان بالإضافة إلى عدم الحاجة لتغيير الغلاف الجوى للكوكب أو القمر بالكامل بل فقط يضاف المناخ الجوى اللازم داخل القبب و المستعمرات بما يتناسب مع حجمها و الذى يعتبر أصغر بالمقارنة إلى غلاف جوى كامل لكوكب أو قمر ما. على الجانب الأخر تحتاج عمليات البناء إلى مستلزمات و معدات ضخمة ذات تكلفة عالية ، و مع كل تلك التجهيزات الضخمة تظل القباب بلا حماية تذكر من الكويكبات و النيازك الضالة التى لا تحترق و تتفت كما هو متوقع نتيجة إحتكاكها مع غلافها الجوى لأن تلك الكواكب أو الأقمار غالبا لا تمتلك غلافا جويا! و كتطبيق واقعى لفكرة "البيت العالم" تم إنشاء نموذج لها هنا على كوكب الأرض فى مشروع تحت إسم "بيوسفير2 Biosphere 2" بنفس تقنية القباب الزجاجية تلك ، تحتوى على وحدات سكنية و مساحات زراعية و مناخ جوى كامل.

بيوسفير2

من الأرض إلى الكويكبات

هل تتخيل نفسك يوما تعيش على كويكب؟ و لما لا فمجموعتنا الشمسية عامرة بهم فهى تحتوى على نحو 100 كويكب يزيد عن 125 كيلومتر و "سيرس" هو أحد الكويكبات الواعدة لإحتواء سطحه على طبقة مائية جليدية و ربما سائلة تحت سطحه. يمكن الحياة على كويكب بتحويل الكويكب ذاته إلى مدينة و لكن ذلك يتطلب جهد و معدات كبيرة للحفر و تفريغ باطنه إلا أن الحل الأسهل هو بإنشاء مدن فى سماءه تدور حوله و تكون مزوده بكل العوامل اللازمة للحياة بل و تدور بسرعة مقاربة لسرعة الأرض حتى يتسنى لسكانها الحياة فى ظل جاذبية مشابهه لتلك على كوكب الأرض. و يمكن إستخدام مرايا عاكسة لإستقطاب أشعة الشمس لتنير المدن لكى تساعد فى تدفئتها و تيسير الزراعة على سطحها.

من الأرض إلى عمق الفضاء

إذا وجهنا أنظارنا إلى الكون الشاسع لوجدنا المئات و المئات من الكواكب التى تشبه أرضنا و تدور فى مجموعات شمسية شبيهه بمجموعتنا و قد إكتشفها التلسكوب كيبلر و حدد مواقعها المختلفة على بعد يتراوح ما بين مئات إلى آلاف قليلة من السنوات الضوئية، إذن لماذا لا نمتطى مركباتنا الفضائية و نتجه إليها مباشرة؟!
إذا إنطلقنا فى رحلة إلى القمر،فسوف نقطع مسافة 384000 كيلومتر فى مدة 3 أيام لكى نصل إلى هناك و هى مدة معقولة نسبيا. إذا غيرنا وجهتنا إلى المريخ فسوف تزيد المسافة و بالتبعية سوف تزداد المدة التى نستغرقها لكى نصل إلى هناك خلال مدة 7 أشهر متواصلة، أما الرحلة إلى قمر المشترى تيتان فتستغرق أكثر من 3 سنوات!! قد لا تعنى لنا تلك المسافات أو المدة المستغرقة أى شئ إلا إذا علمنا الكم الهائل من الأشياء اللازمة لحياة الرواد من طعام و شراب و غيرها لاوازم، فالمركبة التى سوف تحمل الرواد إلى المريخ يصل حجمها من 3 إلى 6 أضعاف حجم تلك المركبة المتجهة إلى القمر و يمكنك أن تضيف إلى ذلك أضعاف مضاعفة فى رحلة الى تيتان قمر زحل ...لك أن تتخيل الآن حجم المركبة إذا كانت متجهة إلى أحد الكواكب الشبه أرضية القريبة على بعد مئات قليلة فقط من السنوات الضوئية!!.

يحمل العلماء أيضا بعض القلق تجاه سفر الرواد فرادى فى الفضاء منعدم الجاذبية فى رحلات طويلة قد تؤثر سلبا بشكل كبير على الحالة النفسية لهم، لذلك فالحل المنطقى الذى إقترحه أحد علماء الإنسانيات بجامعة فلوريدا أن تكون الرحلات "عائلية" ، غالبا تتكون من 150 إلى 180 شخص من أزواج و زوجات بدون أطفال يمكنهم الإستقرار و السير على نمط حياة طبيعى يمتد 8 أجيال متعاقبة ، فيصبح من السهولة قطع السنوات الضوئية الطويلة فى عمق الفضاء خارج مجموعتنا الشمسية مهما كانت تلك المسافات طويلة!

سفر العائلات

لحل مشكلة ضرورة حمل معدات و لاوازم الرواد من طعام و شراب و معدات ، تعمل على تضخم حجم السفينة بشكل طردى مع زيادة المسافة المقطوعة، يمكن التغلب على ذلك بوضع الرواد فى ثبات عميق تحت ما يسمى بـ"التجميد الحيوى"، و فيه يتم تجميد أجسام الرواد فى حاويات مبردة بالنيتروجين السائل فى درجة حرارة تصل إلى - 186 درجة مئوية تحت الصفر، و معها تنخفض معدل العمليات الحيوية الحادثة فى الجسم و ينخفض معدل الأيض الغذائى للخلايا فيكون الرواد نيام فلا يستهلكوا طعام أو شراب أو طاقة و لن يشعروا بالمسافات الطويلة لحين الوصول إلى الكوكب المنشود من ثم يتم إيقاظهم من ثباتهم لأداء مهامهم. تنطوى تقنية التجميد على مخاطر كبيرة تتمثل فى أن الخلايا لن تتحمل البرد الشديد و قد يصاب الجسم بأنواع مختلفة من السرطانات إذا ما تعرض لها و ذلك لأن معاملة الخلايا بتلك الطريقة يتنافى مع طبيعتها و طريقة عملها.

تجميد رواد الفضاء

على جانب الآخر لابد من إيجاد حلول للمسافات الطويلة بدون الإضرار بالرواد أو الإضطرار إلى حملهم و عائلتهم!زيادة سرعة المركبات الفضائية لتقطع مسافات طويلة فى وقت أقل بكثير هو الحل الأمثل لتلك المشكلة. ظهرت العديد من الأفكار لمضاعفة سرعة المركبات منها إستخدام محركات الإندماج و الإنشطار النووى . كذلك إستخدام تقنية"المادة المضادة" و التى يمكنها أن تزود سرعة المحركات بشكل لا يصدق .تلك المادة المضادة ما هى إلا ذرة من مادة الهيدروجين مثلا و لكنها تحمل شحنة سالبة فعندما تتقابل مع ذرة هيدروجين غير مضادة التى تحمل الشحنة الموجبة الطبيعية فإنها تنتج طاقة هائلة، فيعتقد أن كوننا هذا قد تشكل نتيجة إنفجار مماثل بين ذرات من المادة العادية و المادة المضادة، فلك أن تتخيل ما ان امتلكنا و طوعنا تلك المادة فإنها سوف تدفع بنا إلى حافة الكون و ليس المجموعة الشمسية المجاورة فقط! و هذا هو ما نأمله لكى يتحقق الحلم البشرى فى استعمار الفضاء البعيد و يتمتد إلى حواف الكون و ما بعده...

تم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهم المصادر:
1,2,3,4,5,6

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

من الأرض إلى الفضاء-2

الجزء الاول من المقال: من الأرض إلى الفضاء-1

من الأرض إلى يوروبا

ليس قمرنا "الأرضى" الوحيد الذى إتجهت إليه أنظار العلماء، لكن هناك أيضا أقمار لكواكب أخرى فى مجموعتنا الشمسية لديها بيئات مناسبة لإحتضان حياة بشرية بل و بشكل أفضل من قمرنا الأرضى.يوروبا هو القمر السادس ضمن 63 قمر على الأقل يدور حول كوكب المشترى. يعتقد العلماء أن يوروبا يحتوى على محيطات شاسعة من المياه تحت الطبقة الجليدية التى تغطى سطحه، و هو كم كافى من المياه لبدء حياة جديدة عليه

أما عن الأكسجين، فإن كسر طبقات الجليد تلك سوف تحرر كميات كبيرة من الأكسجين لتنطلق فى أجواء يوروبا. يعانى يوروبا من مشكلتين رئيسيتين ، الأولى أن درجات الحرارة على سطحه غالبا ما تستقر عند 173 - درجة مئوية تحت الصفر و هى المعدلات الطبيعية بالنسبة له بالنظر إلى موقعه كقمر لكوكب المشترى الذى يحتل المركز الخامس بعدا عن الشمس بنحو 773 مليون كيلو متر تقريبا! أما المشكلة الثانية هى تعرض يوروبا الدائم للمجالات الكهرومغناطيسية من الحزام الكهرومغناطيسي لكوكب المشترى. لا يستطيع البشر التعايش مع المجالات الكهرومغناطيسية الضارة أو درجات الحرارة القارصة، من ثم إقترح العلماء حلاً لكلا المشكلتين معا. يتلخص الحل المقترح فى بناء قواعد للبشر تحت القشرة الجليدية ليوروبا، بذلك يتقى شر البرد و يكون الجليد درعا واقيا من المجالات الكهرومغناطيسية،....هذا إذا وجدت الوسيلة أو الأداة التى تستطيع تكسير هذا الجليد الذى يعتبر فى حد ذاته تحدي أخر للحياة على يوروبا!

المشهد من أسفل جليد يوروبا

من الأرض إلى تيتان

فكرة إستعمار القمر تيتان ليست من أجل إعماره بالبشر فحسب،إنما لأنه منجم للمنتجات الهيدروكربونية كالغاز الطبيعى و النفط أكثر بمئة مرة مما أمتلكه كوكب الأرض يوما. تيتان أكبر أقمار كوكب زحل ، ثروته الهيدروكربونية تسقط على هيئة امطار من السماء و تتجمع على شكل بحيرات و أنهار تجرى على سطح تيتان. مكونات الغلاف الجوء لتيتان تشبه إلى حد كبير مثيلاتها للغلاف الجوى الأرضى ، فهو يحتوى على نسبة عالية من غاز النيتروجين الذى يعتبر أحد المكونات الرئيسية و أعلاها نسبةً فى غلافنا الجوى.


يعتقد العلماء بوجود محيطات مائية تحت سطح تيتان و غالبا ما تصعد إلى السطح على هيئة نشاط بركانى مائى ، يمكن إستخدامها كمصدر مياه اللازمة للحياه البشرية كما أنها سوف تكون مصدر هام للأكسجين الصالح للتنفس عن طريق معالجتها لكى تتحلل إلى مكونيها الأساسيين و هما الأكسجين و الهيدروجين بإستخدام عملية"التحليل الكهربائى". إلا ان العلماء لابد أن يتعاملوا مع مشكلات تيتان الذى يعانى من درجات حرارة منخفضة تصل إلى 179 – درجة مئوية تحت الصفر و التى لا ترتفع و لا لو قليل حتى أثناء ساعات النهار بسبب منع الغلاف الجوى الكثيف لتيتان مرور أشعة الشمس و منعها من تسخين سطحه. جاذبية تيتان أيضا تمثل مشكلة كبيرة لإنخفاضها نسبة إلى جاذبية الأرض ، تلك الجاذبية المنخفضة التى ثبت أضرارها الكبيرة على جسم الإنسان و تأثيرها السلبى على أنظمته البيولوجية.

من الأرض إلى الزهرة

كوكب الزهرة هو أقرب الكواكب شبها بالأرض لذا سمى بـ"توأم الأرض"، و ذلك لتقارب حجميهما و قرب المسافة بينهما حيث يعد الزهرة أقرب كوكب للأرض مقارنة بكوكب المريخ و ذلك ما يجعل الزهرة مرشح قوى للإستعمار. التقارب الحجمى بين الأرض و الزهرة يجعل قيمة الجاذبية على سطحيهما متساوية تقريبا، و هو ما يسهل على الرواد عملية التأقلم على الجاذبية بينما بالنظر إلى الرحلات للكواكب الأخرى فالجاذبية أحد العوامل التى لابد و أن توضع فى الحسبان. عدم كفاية الجاذبية على أى كوكب أو قمر أخر يحتم على الرواد إرتداء "هياكل خارجية" توفر لهم الجاذبية والإتزان و هو ما لن يحتاجوه على كوكب الزهرة على الإطلاق .على الرغم من تلك المميزات إلا أن بيئة الزهرة لا تكاد تقترب شبها من بيئة الأرض على الإطلاق و يكاد يكون من المستحيل العيش فيها! فدرجة الحرارة عند خط الإستواء قد تصل إلى 500 درجة مئوية و هى درجة حرارة تزيد عن درجة إنصهار الرصاص!هذه الحرارة سببها يرجع إلى أن جو الزهرة غنى بنسب كبيرة للغاية من غاز ثانى أكسيد الكربون الذى يسبب تأثير "الإحتباس الحرارى" على كوكب الزهرة. و الضغط الجوى هناك أكبر من الضغط الجوى للأرض بـ90 مرة و هو بذلك مساوى للضغط تحت 1 كيلو متر من المياه، هذا الضغط الشديد أدى بكل المهمات الفضائية على سطحه بالدمار التام و لم يصلنا معلومات عن سطحه سوى القليل من المسبارين الغير مأهولين "فينير 7" و "فينيرا 8"اللذان لم يستطيعا الصمود فى وجه هذا الضغط سوى ساعة واحدة فما بالنا بالبشر! اما القشة التى قسمت ظهر البعير هى أن الزهرة لا يحتوى على مياه على الإطلاق!

فى ظل هذه البيئة العدائية ما كان من العلماء إلا التفكير فى حلين لا ثلاث لهما. الحل الأول المعتاد فى تلك الحالات هو التأرض. أغلب المقترحات المقدمة فى هذا الصدد تجتمع على ضرورة إستخدام مظلات شمسية! هذه المظلات عاكسة فى طبيعاتها لكى تقلل تعرض كوكب الزهرة لأشعة الشمس مما يخفض قليلا من درجة حرارة سطحه و لحل مشكلة نقص المياه يتم قصف الكوكب بقنابل الهيدروجين ، الذى من المتوقع أن يتفاعل مع ثانى أكسيد الكربون فى مناخ الزهرة و ينتج عنصر الكربون و وفرة من المياه.

عملية تأرض الزهرة

أما الحل الثانى المقترح هو بناء مدن طافية فى جو الزهرة! الذى يعد أنسب مكان للحياة من الكوكب نفسه فعلى إرتفاع نحو 50 كيلومتر فوق سطح الزهرة تترواح درجة الحرارة من 0- 50 درجة مئوية و ضغط جوى 1 بار و هو مماثل تماما لظروف العيش على كوكب الأرض تماما.بناء العديد و العديد من تلك المدن فوق الزهرة يمكن أن يعمل كعازل لسطح الزهرة لحمايته من أشعة الشمس المفرطة التى تسخن سطحه و بذلك هى عملية تأرض للزهرة على المدى الطويل.

المدينة الطافية

عن طريق عملية التأرض سالفة الذكر أيضا يمكن تحويل قمرى المشترى جانيميد و كاليستو إلى بيئات شبه أرضية

كاليستو قبل عملية التأرض

كاليستو بعد عملية التأرض

جانيميد قبل عملية التأرض

جانيميد بعد عملية التأرض

يتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهم المصادر:
1,2,3,4,5,6

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

الطاقة القمرية

يسارع الجنس البشرى الآن فى عجالة من أمره نحو تطوير و تطويع مصادر الطاقة النظيفة و المتجددة المتمثلة فى طاقة الشمس و الرياح، فى زمن أصبح فيه مصير البشرية على المحك مع قرب نفاذ المخزون العالمى من الموارد البترولية و النفطية التى هى مصدره الوحيد للطاقة. إلا أن الإنسان يصبح أكثر إبداعا و إبتكارا فى أوقات الأزمات، ففى الوقت الذى انحصر فيه تركيز جموع العلماء على الطاقة المتجددة شمسية منها و ريحية ، أتى البعض الآخر بحلول مبتكرة لمشكلة الطاقة و تكمن تلك الحلول فى الحصول على الطاقة من "القمر".


إذا تحدثنا عن القمر فلابد من ذكر أنه أقرب جيران الأرض، الذى يبدد ظلام سمائها ليلا بضوء خافت ، ذلك الضوء الخافت هو أقصى ما يمكن أن يجود به القمر على الأرض، فهو بطبيعته جرم سماوى معتم يضئ بفعل إنعكاس ضوء الشمس على سطحه ، فلا هو مضئ بذاته و لا يشع حرارة. و بذلك يكون القمر مجرد جار ودود نتطلع إليه فى سماء الليل ، إلا أن العقول المفكرة وجدت الحل لمشكلة الطاقة من القمر، فمن تأثير جاذبيته "طاقة مائية" ، و من الغازات المختزنة فى تربته "طاقة إندماجية"، و من موقعه بين الشمس و الأرض "طاقة شمسية"!!

الطواحين المائية

إعتمد البشر لسنوات طويلة على القمر فى إنتاج الكهرباء فهى ليست فكرة مستحدثة، بإستغلال تأثير جاذبية القمر على الأرض و التى تسبب حدوث ظاهرة المد و الجزر. تنتشر السدود على المسطحات المائية حول العالم لتحصر المياه الزائدة فى أوقات المد و تطلق سراحها فى أوقات الجزر فتندفع بقوة لتدير توربينات تحول الطاقة الحركية إلى كهرباء تمد آلاف المنازل و المصانع. لكن ليست تلك هى الطريقة الوحيدة الممكنة للإستفادة من ظاهرة المد و الجزر ، فكما نستفيد من طاقة الرياح و نحولها إلى كهرباء بإستخدام طواحين الرياح ،يمكننا بالمثل الإستفادة من طاقة التيارات المائية لتتحول إلى طاقة كهربائية عن طريق طواحين مائية!!


فى قاع البحار و المحيطات تكون المياه فى حالة حركة دائمة متأثرة بسيطرة جاذبية القمر عليها.عندما يسطع القمر على بقعة ما على الأرض فإن منسوب ما تحتويه من مياه يرتفع و هو ما يعرف بالمد ،أما المناطق المجاورة التى لم ترى سطوع القمر بعد لا تتأثر بقوة جذبه فينخفض منسوب المياه لديها و هذا ما يسمى بالجزر.و لكن من أين تأتى المياه التى تسبب إرتفاع المنسوب فى حالة المد و كذلك إلى أين تذهب المياه المنقوصة فى حالة الجزر؟ و الإجابة على هذا السؤال أن المياه يعاد توزيعها بشكل عام فالنقص فى مياه الجزر تخدم الزيادة فى مياه المد ، بحيث أن المياه المنقوصة فى مناطق الجزر تتحرك بتأثير جذب القمر لترفع منسوب المياه فى مناطق المد لذا نجد المياه فى حركة دائمة ذهابا و إيابا بين مد و جزر.

المقطع المصور التالى يوضح إرتفاع مستوى الغطاء المائى للأرض تأثرا بجاذبية القمر و العكس بالعكس:



إذن طاقة الحركة تلك قادرة على تدوير شفرة مروحة عملاقة توضع فى قاع البحار و المحيطات ، تتصل تلك المراوح بتوربينات تحول الحركة إلى كهرباء تسرى فى كابلات طويلة وصولا إلى الشاطئ حيث شبكة توزيع الكهرباء.
تتميز الطواحين المائية بعدم حاجتها إلى مساحات من اليابسة أو مزارع واسعة لتُنشئ عليها، بعكس طواحين الرياح و هى أحد الأمور الموضوعة على طاولة النقاشات بشأن الطاقة فقد أصبحت المساحة المتاحة قضية محل إهتمام ، مع تزايد عدد سكان الأرض بشكل متطرد و بلوغ تعدادهم 7 مليارات نسمة فى عام 2011. ميزة أخرى تتمتع بها الطواحين المائية و هى أن التيارات المائية تتبع نمط ثابت يمكن التنبؤ به من زيادة أو نقص فى السرعة حسب دورة القمر و تأثيره من مد و جزر بعكس الرياح التى يصعب التنبؤ بوقت هبوبها و سرعته. و نطمئن القلقين بشأن الحياة البحرية بأنه لا تأثير لتلك الشفرات العملاقة عليها فسرعة دورانها بطيئة نحو 20 دورة فى الدقيقة لتسمح بمرور الأسماك و الكائنات البحرية من خلالها فلا تشكل خطرا على حياتها.

أول طاحونة مائية فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008

تم بالفعل إنشاء أول طاحونة مائية تجارية فى العالم عام 2003 تنتج 300 كيلو وات فى إنجلترا، و توالى إنشاء مئات الطواحين المائية حول العالم منذ ذلك الحين ، منها نحو 79 طاحونة مائية فقط فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2009 بالإضافة إلى 149 طاحونة أخرى بإنتظار الموافقة النهائية لتنتج طاقة نظيفة و آمنة تقدر بآلاف الكيلو وات، برغم من مواجهة توربيناتها لبعض التحديات مثل تحمل الظروف القاسية من الكثافة المرتفعة للمياه بالمقارنة بكثافة الهواء و مقاومة الصدأ.

الطاقة الإندماجية القمرية

...و من جاذبية القمر إلى تربته التى تزخر بملايين الأطنان من غاز "هيليوم-3 "، و بالرغم من عدم وجوده فى الطبيعة على الأرض إلا أنه مطمع للبشر، فهو الوقود المنتظر للتفاعلات الإندماجية. تلك التفاعلات مثيلة لما تحدث فى قلب الشمس و تولد الطاقة و الحرارة التى تصلنا هنا على كوكب الأرض، تحدث نتيجة "إندماج" أو إلتحام ذرتين أو أكثر لتصبح ذرة واحدة و يصاحب هذه العملية إنطلاق طاقة هائلة . تُعد تلك هى الطاقة المستقبلية التى يطمح العلماء فى التوصل إلى وسيلة لإنتاجها على كوكب الأرض لتكون بديلا للبترول و النفط، و هذه الوسيلة المرتقبة بالطبع هى مفاعل نووى "إندماجى" يتحكم فى تلك التفاعلات و ينظمها ثم يحول الطاقة الناتجة عنها إلى كهرباء تشبع حاجات البشر. تقنيات المفاعلات الإندماجية ما زالت قيد البحث و التطوير و من المتوقع أن تكون جاهزة للإستخدام التجارى فى غضون 20 سنة. فى هذه الأثناء لابد من البدأ فى عمليات البحث و التنقيب عن الوقود المحفز لتلك التفاعلات الإندماجية "هيليوم-3"....من تربة القمر.

قلب المفاعل الإندماجى "جيت" قيد التطوير

عملية التنقيب عن غاز الهيليوم-3 تعد هى المهمة الأصعب ولكنها تستحق بكل تأكيد ، فحمولة مركبة فضائية واحدة من هيليوم -3 بسعة 20 طن تكفى لإمداد الولايات المتحدة الأمريكية بالطاقة لمدة سنة كاملة. لكن هذا الأمر متوقف على مقدرة تقنية التنقيب الحالية على إستخراج هيليوم-3 من تربة القمر دون تكلفة عالية و هو الأمر المستبعد بالنظر إلى كون عنصر هيليوم-3 يمثل نسبة واحد على ثلاثة آلاف فقط من الهيليوم الكلى الموجود فى تربة القمر بالإضافة إلى أن نسبة الهيليوم نفسه تقدر بحوالى 10 إلى 220 جزء من المليون ،و الذى يعنى بالضرورة الحاجة إلى حفر ملايين الكيلوجرامات من التربة من أجل إستخراج كيلوجرام واحد من غاز هيليوم-3 !! و هو الأمر الذى أثار حفيظة العلماء المناهضين لمشروع التنقيب عن الهيليوم-3 فى تربة القمر آخذين فى الإعتبار أن العملية بأكملها بدأ من نقل المعدات المستخدمة فى التنقيب إلى عودة غاز هيليوم-3 الجاهز للإستخدام ، تعنى حرق مليارات من وقود الصواريخ ، و يرون الأمر برمته حل غير عملى على الإطلاق.

أجهزة التنقيب عن هيليوم-3 تختلف عن الأجهزة العادية التى تستخدم فى البحث عن البترول و الغاز الطبيعى فى باطن الأرض، و ذلك لأن الهيليوم يمثل جزءا لا يتجزأ من تربة القمر و لا يوجد فى آبار أو جيوب غازية فى باطنه. لذلك فإن التربة نفسها تخضع لتحليل و عمليات كيميائية تستمد طاقتها من أشعة الشمس التى يلتقطها الهوائى الخاص بمحطة التنقيب و يركزها لخدمة عملية التحليل و فى النهاية يتصاعد غاز هيليوم-3 منها و يعبأ فى إسطوانات.


جهاز التنقيب عن هيليوم-3 فى تربة القمر

تتميز الطاقة الناتجة عن المفاعلات الإندماجية القائمة على هيليوم-3 أنها نظيفة و صديقة للبيئة و ذلك لأنها تكون مشعة بقدر ضئيل جدا، تقريبا بنفس كم الإشعاعات الناتجة عن قسم العلاج الإشعاعى بالمستشفيات،بعكس المفاعلات النووية التقليدية التى تقوم على التفاعلات الإنشطارية و فيها تنشطر الذرة إلى أجزاء أصغر منها و يصاحب الإنشطار طاقة كبيرة تستغل فى إنتاج الكهرباء ،لأن الوقود المحفز فى المفاعلات الإنشطارية هو عنصر اليورانيوم المشع المتواجد فى الطبيعة على الأرض بعكس هيليوم-3 إلا أن تسربه يؤدى إلى كارثة محققة مثل تشيرنوبل تهدد بفناء البشر و الكائنات الحية على حد سواء.

هذا التخطيط الكامل للتنقيب عن و إستخراج هيليوم-3 من تربة القمر، كان جزءا من مهمة "مشروع العودة إلى القمر" الذى أسسه الرئيس الأمريكى جورش بوش عام 2004 و ألغاه الرئيس أوباما عام 2009 و الذى كان من المخطط له ببناء قاعدة قمرية أمريكية بحلول عام 2024 تبدأ فى تنفيذ مشروعات ناسا على القمر و من ضمنها مشروع التنقيب عن هيليوم-3 .فهل تتبنى وكالة فضاء أخرى المشروع أم يذهب أدراج الريح؟

حزام الطاقة

بعد كارثة مفاعلات فوكوشيما اليابانية أعادت الكثير من الدول التفكير بشأن مصادر طاقتها، لتتجنب أى مخاطر مستقبلية تتبع الخيار النووى. و عليه كشفت شركة "شيميزو SHIMIZU" اليابانية عن فكرة لتحويل القمر إلى محطة ضخمة لتوليد الطاقة ثم تعيد بثها إلى الأرض.كانت هذه الفكرة احدى مخططات ناسا للعودة إلى القمر إلا أنها توقفت أيضا بسبب إيقاف المشروع ككل كما ذكرنا سلفا، إلى أن جاءت شركة "شيميزو" لتعيد إحياء الفكرة مرة أخرى.

يتميز القمر بموقع إستراتيجى بين الأرض و الشمس فكما تتمتع الأرض بضوء الشمس ، ينال القمر أيضا قسطا وافر منه كافي لجعله مضيئا و تقدر كمية الطاقة التى تصله من الشمس بنحو 13000 تريليون وات تكفى نسبة واحد بالمئة منها لسد حاجة الأرض من الطاقة.

تسعى شيميزو إلى تنفيذ ذلك المشروع الضخم تحت إسم "حلقة لونا LUNA ring" و هى حزام من الخلايا الشمسية يغطى محيط القمر بالكامل من عند خط الإستواء يقدر بـ 6800 ميل طولا و 12 ميل عرضا حيث يتعرض خط الإستواء إلى كم ثابت و دائم من الضوء. تقوم الخلايا على الجانب المواجهه للشمس بتحويل الأشعة الضوئية إلى كهرباء تسرى فى كابلات طويلة حتى تصل إلى محطات الإرسال على الجانب الآخر المواجهه لكوكب للأرض. تعمل محطات الإرسال على تحويل الكهرباء إلى موجات ميكروية و أشعة ليزرية ثم تبثها إلى محطات الإستقبال على الأرض، و ما أن تتحول الموجات و الليزر إلى كهرباء مرة أخرى فإنها تتوزع حول العالم لتغذى حاجات البشر جميعا بشكل متساوى و عادل.

يتميز "حزام لونا" بالكفاءة العالية فى الإستفادة الكاملة من ضوء الشمس تصل إلى 10 أضعاف كفاءة المزارع الشمسية على الأرض ، فلا وجود لغلاف جوى يحيط بالقمر و بالتبعية لا سحب أو مناخ سيئ يمكن أن يؤثر على كفاءة وصول ضوء الشمس إليه. أيضا تدفق الطاقة من القمر إلى الأرض لا يتوقف 24 ساعة فى اليوم و 7 أيام فى الأسبوع، فى كل الأوقات يتعرض جزء منه للشمس بعكس المزارع الشمسية التقليدية التى تعمل نهارا بحسب الحالة الجوية و لا تعمل ليلا بالطبع.

تمتلك شيميزو رؤية كاملة لبناء حزام لونا من موارد القمر، بالنظر إلى تكلفة بناءه على الأرض و إرساله إلى القمر ثم مهمة تركيبه و تجهيزه ،تجعل الفكرة غير مقبولة. إلا أن شيميزو تنوى إستغلال موارد القمر مع بعض المساعدات البسيطة من الأرض و الأهم من ذلك هو الإعتماد بشكل شبه كامل على الروبوتات لبناء الحزام و التى يتم التحكم فيها عن بعد من كوكب الأرض!

عن المياه اللازمة للبناء فمن تربة القمر مع إضافة الهيدروجين المنقول من الأرض يمكن الحصول عليها . و الإسمنت أيضا يستخرج من التربة و بخلطه مع الحصى و التربة القمرية مرة أخرى نحصل على المواد الخرسانية للبناء. أما القرميد و الألياف الضوئية و المواد اللازمة الأخرى يمكن الحصول عليها بالمعالجة بحرارة الشمس. الخلايا الشمسية نفسها تصنع من السيليكون الذى يتوفر بنسبة 23 بالمئة من التربة و بذلك يتم توفير تكاليف وقود الصواريخ اللازم لنقل الخلايا و كذلك كلفة تصنيعها من موارد أرضية.سوف تبث حلقة لونا 220 تريليون وات من الطاقة ، و بينما يفقد جزء كبير منها فى الفضاء، يصلنا على الأرض 8.8 تريليون وات سنويا.

طبقا للجدول الزمنى الموضوع لتجهيز ذلك المشروع الطموح، من المتوقع البدأ فى تنفيذه فعليا عام 2035 بالتقنيات المتوفرة و المثبتة حتى الآن من خلايا شمسية و محطات إرسال ليزرية و ميكروية و حتى الروبوتات الآلية ، مع الأخذ فى الإعتبار عدم تحديد نسبة معينة للعقبات أو المشكلات التى قد تواجه بناء محطات الطاقة الليزرية على القمر.

القمر هو التابع الطبيعى للأرض و يعتقد أنه كان فى يوم ما جزءا لا يتجزأ منها ،لذا فإن إستغلاله لخدمة بنى آدم و ضمان إستمرار بقاءهم هو أمر ضرورى ، و بخاصة لإمتلاكه المقومات اللازمة لحل مشكلة عويصة تنتظرنا عاجلا أم آجلا، فمن القمر طاقة ثبث فى الأرض حياة...
_______________________

المصادر:

1,2,3,4,5,6,7,8,9,10

الصفحات