السبت، 30 أبريل 2011

الزهرة السوداء فى عوالم الغرباء


الزهرة السوداء...إسم يصلح عنونا لرواية رومانسية ذات نهاية مأساوية أو إسم حركى لبطلة رواية بوليسية!! إلا أن وجود زهور سوداء أمر محتمل إذا ما إمتلكنا يوما شمسين بدلا من شمس واحدة!



بالطبع اللون الأسود ليس نتيجة إحتراقها كما قد يخيل للبعض!، أنما هو لون ينتج عن تكيف النباتات و الأشجار على الحياة فى بيئة لكوكب يدور فى نظام شمسى يتكون من نجمين و ليس نجما واحدا فقط.
فى دراسة فريدة من نوعها قدمها دكتور "جاك أومالى" مؤخرا فى إجتماع الجمعية الفلكية الملكية فى ويلز، يطرح دكتور أومالى عدة تساؤلات يحاول الإجابة عنها من خلال دراسته أولها:

"ما هو اللون المتوقع للحياة النباتية على كوكب يدور حول قزم أحمر ؟"

هذا القزم الأحمر ليس قزما بالمعنى الحرفى للكلمة بل هو نجم صغير تقل كتلته عن نصف كتلة الشمس ،كما أنه بارد نسبيا فدرجة حرارة سطحه لا تتجاوز 4000 درجة كلفن. أما عن سبب إختيار دكتور "أومالى" لقزم الأحمر ليكون محل دراسته فيرجع إلى كون مجرتنا درب التبانة تعج بهم! و معظم الكواكب التى يحتمل إمكانية وجود حياة على سطحها تدور حول نجوم من هذا النوع.بمحاكاة الحياة النباتية على كوكب يدور حول قزم أحمر وُجد أن لون النباتات لابد و أن يكون أسود أو رمادى على أقل تقدير، لكن لماذا؟ لنجيب على هذا السؤال دعونا اولا نجيب على تساؤل آخر...لماذا تبدو نباتاتنا الارضية باللون الأخضر؟ النباتات الأرضية تتغذى و تستمد طاقتها من ضوء الشمس الذى يتكون من طيف كامل من الألوان بداية من البنفسجى و إنتهاءا بالأحمر، من خلال عملية كيميائية معروفة بإسم "البناء الضوئى".


الطيف الضوئى

خلال عملية البناء الضوئى يسقط شعاع الضوء على ورق النبات، فيمتص منه الطيف الأحمر و البنفسجى و مابينهما فيما عدا اللون الأخضر الذى لا يمتصه إطلاقا إنما يعكسه من على سطح الورقة لتره أعيننا باللون الأخضر المعتاد. هناك عدة عوامل يتحدد على أساسها لون النبات أهمها نوعية الضوء الساقط عليه و كذلك ظروف البيئة المحيطة به من تربة و مناخ. ففى حالة نباتاتنا الأرضية ،بيئة نموها و ضوء الشمس بألوانه ما بين الأحمر و البنفسجى هما فقط ما يحتاجه النبات لكى يتغذى و ينمو أما اللون الأخضر فغير ضرورى لنموه لذلك هو يعكسه و لا يمتصه. اللون الأخضر بمفهومنا نحن البشر يختلف عن مفهومه بالنسبة إلى النبات ،فاللون الأخضر بالنسبة لنا ما هو إلا طريقة ترجمة من المخ البشرى لموجات لها طول معين تنعكس من على سطح النبات لتسقط على أعيننا. أما من وجه النظر الكيميائية للنبات فهو يحتاج إلى الموجات ذات طول موجى "معين" لكى تتم عملية "البناء الضوئى" أما الموجات الضوئية ذات الطول الموجى الخاص باللون الأخضر كما نراه ، يعكسها النبات لأنها لن تفيد فى عملياته الكيميائية الخاصة بالبناء الضوئى.بعض النباتات الأخرى قد تبدو بألوان مختلفة سوى الاخضر لأنها لا تستفيد من اللون الذى تبدو عليه فتعكسه و ذلك لإختلاف ظروف نموها و بيئتها عن تلك التى النباتات التى تظهر باللون الأخضر.


إذا عدنا مرة أخرى إلى الحياة النباتية على كوكب يدور فى نظام شمسى من الأقزام الحمر، نذكر أن القزم الأحمر نجم خافت الضوء أى أن جميع أشكال الحياة على كوكب يدور حوله قد لا يصلها نفس كم الضوء الذى يصلنا على كوكب الأرض من الشمس، لذلك فى حالة النبات قد تجده فى لهفة و تعطش ليمتص كل ألوان الطيف الممكنة بما فيها الأشعة تحت الحمراء و الفوق البنفسجية حتى يستفيد من كل شعاع ضوء حتى أخر فوتون فيه! لكى يتسنى له القيام بعملية "البناء الضوئى" و معنى أن يمتص النبات كل الضوء المرئى الساقط عليه إذا هو لا يعكس أى قدر منه لذا لابد و ان يبدو باللون الأسود ! و هنا تظهر قوة التطور البيولوجى الذى يجعل أشكال الحياة المختلفة بما فيها النباتات تتكيف مع البيئة المحيطة و الموارد المتاحة حتى تستطيع النجاة فى ظل الظروف القاسية التى تفرضها على الطبيعة.

إنتقل دكتور أومالى إلى تساؤل أخر و هو:

ماذا لو كان الكوكب يدور فى نظام شمسى يحتوى على نجمين متباينين أحدهما قزم أحمر و الأخر نجم أصفر مثل شمسنا ؟


فى الأنظمة الثنائية من نجمين "أصفر" و "قزم أحمر" قد يكونا إما فى حالة "إقتران" أى أنهما على مسافة قريبة من بعضهما البعض بحيث يقع كلاهما داخل المدار الخاص بالكوكب،


النجمان فى حالة الإقتران

أو يكونا فى حالة "تقابل" فيدور الكوكب بإنتظام حول أحدهما بينما يقطع مداره المسافة بينهما.

النجمان فى حالة التقابل

يدرس دكتور أومالى الإحتمالات العديدة تلك من خلال برنامج محاكاة ليدرس تأثير الأوضاع المختلفة للنجمين بالنسبة للكوكب على الكيفية التى يمكن أن يتصرف بها النبات و طريقة تكيفه مع تلك الأوضاع المتعددة. فقد يجد النبات نفسه مضطرا لكى يمتص الإشعاعات القادمة من نجمين فى آن واحد تارة، أو أن يتعايش مع ضوء نجم واحد بعد حرمانه من أحد النجوم التى تمده بالطاقة فى أحد مراحل حركته تارة أخرى أو قد يحرم من كليهما معا و يعيش فى ظلام دامس لبعض الوقت، و هو ما يرغمه على تطوير نظام ذاتى لديه للحصول على الطاقة اللازمة لحياته و يتكيف مع وضعه. و بناءا عليه قد نجد النبات متلون و متغير Technicolor لونه مثل الحرباء على حسب حاجته للضوء و وضعه الحالى بالنسبة لنجميه!

اذا كان النجمان فى حالة تقابل (فى الصورة) يتعرض الكوكب إلى ضوء النجمين بنسب متفاوتة على حسب قربه أو بعده عن كل منهما إلا انه فى مرحلة ما يصبح فى حالة إظلام حيث لا يطالع سمائه أى من النجمين. هذه الصدمات التى يتعرض لها النبات من وفرة غزيرة من الضوء ثم حرمان و تقطير منه ،قد يؤدى بالنبات إلى إبتكار أساليب غريبة لا تخطر لنا على بال، فمثلا قد يتحول النبات إلى هجين نباتى-حيوانى بمعنى أنه يتعايش فى "ثوبه" النباتى فى حالة تعرضه بشكل ملائم إلى الضوء للقيام بعملية بناءه الضوئى، لكن حالما يغيب نجمه ينزع عنه ثوبه النباتى و يتحول إلى الجزء الحيوانى منه لكى يتحرك و يبحث له عن مؤنه من الغذاء حتى سطوع نجمه مره أخرى أو ربما يجد طريقة ما ينتقل بواسطتها إلى النصف الأخر من الكوكب الذى يسطع عليه نجمه المحبب!!

لا تستنكر أو تستغرب عزيزى القارئ، فالحياة النباتية على الأرض قد تحمل نفس القدر من الغرابة أيضا


إنظر إلى تلك الورقة الطافية التى تصطنع قدرا من البراءة، حذارى ان تنخدع . هذه نوع من اليرقان البحرى الأخضر و تسمى eastern emerald Elysia ، تلك اليرقانة تتغذى على طحالب البحر الخضراء كأى حيوان بحرى يبحث عن قوت يومه ثم تعود فتستخدم "البلاستيدات الخضراء" الخاصة بالطحالب التى تغذت عليها سلفا (و هى الخلايا الأساسية فى أى نبات) لتساعدها فى القيام بعملية "البناء ضوئى" أى انها تتصرف ككائن بحرى و نبات فى آن واحد!!

قد يظن البعض أن دراسة دكتور أومالى درب من دروب الرفاهية ، إلا أنها دراسة غاية فى الذكاء و الأهمية. تنصب أبحاث العلماء فى الوقت الحالى على إيجاد الكواكب الشبيهه بالأرض و التى تدور فى مجموعات شمسية مجاورة داخل مجرتنا درب التبانة و قد وُجد منها المئات بالفعل. ما يحصل عليه العلماء هو مجموعة من الصورالتى تلتقطها التلسكوبات لتلك الكواكب و تحتوى هذه الصور على مجموعة من الأطياف اللونية التى قد يصعب تفسير ماهيتها لأن بيئتها تختلف عن بيئتنا الأرضية و كذلك ألوانها الطبيعية قد تكون مغايرة لما تعودنا عليه، لذلك بمحاكاة علمية كالتى قام بها دكتور أومالى ، يمكننا التعرف على طبيعة الكواكب المجاورة لنا بسهولة و قد نجد منها ما يصلح لحياة البشر.

المصادر:1،2،3

الجمعة، 22 أبريل 2011

العالم عام 2100- الجزء الثانى

تابع الجزء الأول من هنا

فى عام 1863 قدم الكاتب الرائع "جول فيرن" روايته التنبؤية "باريس فى القرن العشرين" و وضع فيها كل طاقاته الإبداعية لكى يتخيل القرن القادم.و نشرت الرواية عام 1994 أى بعد مرور 130 عام على كتابتها عندما وجدها حفيد فيرن مخبأه بعناية فى خزانة.



بعيدا فى عام 1863 حينما عاش فيرن ،كان الملوك و الأباطرة مازالوا يحكمون الإمبراطوريات الغابرة، و كانت الولايات المتحدة الأمريكية غارقة فى أتون الحروب الأهلية التى كانت تمزقها،و قوة البخار إكتشفت لتوها لتبدأ فى إحداث ثورة علمية عالمية. لكن فيرن تخيل ان باريس فى عام 1960 تمتلك ناطحات السحاب الزجاجية، مكيفات الهواء، التلفاز، المصاعد الكهربائية، القطارات الفائقة السرعة ، السيارات التى تعمل بالجازولين، أجهزة الفاكس و حتى شئ يشبه الإنترنت!! بدقة متناهية إستطاع فيرن أن يتخيل باريس الحديثة! هذا لم يكن شئ من الحظ، فبعدها بعدة أعوام قام فيرن بتنبؤ أخر مثير للدهشة.فى 1865 كتب فيرن روايته "من الأرض إلى القمر" ، التى تنبأ فيها بتفاصيل رحلة مهمة أبوللو إلى القمر بعد نشر الرواية بأكثر من 100 عام فى 1969 .إستطاع التكهن بحجم الكبسولة الفضائية بنسبة ضئيلة من الخطأ كما تكهن بموقع إطلاقها بالقرب من فلوريدا و عدد رواد الفضاء فى الرحلة و عدد الساعات التى سوف تستغرقها، أيضا توقع إنعدام الجاذبية الذى سوف يتعرض له الرواد كذلك نهاية الرحلة بإرتطام الكبسولة فى المحيط. الخطأ التنبؤى الوحيد الذى وقع فيه فيرن هو إستخدامه للبارود بدلا من وقود الصواريخ السائل ليأخذ الرواد فى رحلة من الأرض إلى القمر، إلا أن الوقود السائل لم يكن ليخترع قبل 70 سنة من تاريخ كتابة الرواية!


كيف إستطاع فيرن أن يتخيل أحداث 100 عام فى المستقبل بهذه الدقة؟ فيرن لم يكن عالما بشخصه، و لكنه سعى وراء العلماء و امطرهم بأسئلته عن رؤيتهم للمستقبل.و كون لديه قاعدة بيانات كاملة بكل الإنجازات العلمية و المخترعات الخاصة بعصره. أدرك فيرن علاوة على أى شخص آخر ان العلم هو المحرك للحضارة التى يدفعها إلى قرن جديد من المعجزات و الأعاجيب.

ليوناردو دافنشى الرسام و المفكر،متنبئ آخر بتكنولوجيا المستقبل.فى أواخر عام 1400 رسم دافنشى مخططات جميلة و دقيقة لأجهزة سوف تملأ السماء يوما ما . مناطيد و طائرات مروحية و حتى الطائرات الهوائية! لكن مخططاته كان ينقصها مكون بسيط...موتور بقوة 1 حصان ، و هو شئ لم يكن متاح حتى بعد 400 عام من عصره.
و مثلما فعل فيرن كان دافنشى أيضا يستشير العقول المفكرة آنذاك،و كان محاطاً بدائرة من مبدعي هذا العصر. أجرى التجارب و قام بالبناء و رسم النماذج الأولية ،كانت تلك طريقة دافنشى لكى يترجم أفكاره إلى حقيقة و التى يجب أن يتبعها من هم مثله.


نموذج للمنطاد كما تخيله دافنشى


نموذج للمروحية كما تخيله دافنشى


نموذج الطائرة الهوائية كما تخيله دافنشى

بعد أن رأينا هذا الكم الهائل من التوقعات و التنبؤات التى أطلعها فيرن و دافنشى إلى العالم، هل من الممكن أن نتنبأ بالعالم فى عام 2100؟ و على عادة فيرن و دافنشى، يقوم كتاب"فيزياء المستقبل" بإلقاء نظرة عن قرب إلى عصارة أفكار علماء نابغين يبنون نماذجهم الأولية من تقنياتهم التى سوف تغير مستقبلنا. هذا الكتاب ليس درب من الخيال الجامح بل هو مبنى على علم قاطع مستقى من المختبرات الكبرى حول العالم. التنبؤ بالعالم عام 2100 مهمة شاقة للغاية،خاصة أن عجلة مكتشفات هذا العصر متسارعة على الدوام، و المعارف العلمية التى تراكمت فوق بعضها البعض فقط فى العقود القليلة الماضية أكبر بكثير من تلك المتراكمة على مر التاريخ الإنسانى كله و بحلول عام 2100 سوف تصبح تلك المعارف أضعافاً مضاعفة.

أفضل طريقة لكى نتخيل مدى صعوبة التنبؤ بـ 100 فى المستقبل علينا أن نتذكر كيف كانت حياة أجدادنا عام 1900.بعيدا فى عام 1900 لم يكن هناك وجود للراديو و لم تعرف الأفلام و لم يستخدم الفلاحون الجرارت يوما أما السيارات فكانت مخترعة للتو و كان يطلق عليها آنذاك "عربة مقطورة بلا حصان"! لكى نفهم مدى صعوبة ذلك التنبؤ فيجب أن نقدر صعوبة ذلك على من عاشوا فى عام 1900 لكى يتنبئوا بما يمكن أن يكون عليه المستقبل فى عام 2000 .فى شيكاجو عام 1893 تم إختيار 74 من الأشخاص المعروفين جيدا بين الناس و طُلب منهم التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه المستقبل بعد 100 عام . المشكلة أنهم دوما ما إستخفوا فى توقعاتهم بمعدل التقدم العلمى، كمثال على ذلك كثير منهم توقع بشكل صحيح أن يوم ما سوف يصبح لدينا طائرات ركاب ضخمة عابرة للمحيطات إلا أنهم تنبئوا بأنها سوف تكون مناطيد! رأى السيناتور"جون انجيلز" أن كل شخص سوف يمتلك منطاده الخاص، و لم يخطر بباله قط بزوغ فكرة السيارات. أيضا أقر الجنرال "جون واناميكر" أن وسيلة توصيل البريد الأمريكى سوف تظل على ظهور الأحصنة حتى بعد 100 سنة فى المستقبل!


هذا الإستخفاف الغير متعمد بقوة العلم و الإبداع إمتد إلى مكتب تسجيل براءات الإختراع، فى عام 1899 أقر المسئول عن المكتب "تشارلز دويل" أن كل ما يمكن أن يخترع قد إخترع بالفعل !حتى بعض الخبراء فى تخصصاتهم إستخفوا بما يمكن أن يحدث تحت أنوفهم! فى عام 1927 ، "هارى وارنر" و هو أحد مؤسسى "Warner Brothers" أكبر شركات الإنتاج الإعلامى الهوليوودية بداية من عصر الأفلام الصامتة سأل وارنر يوما بإستخفاف:من يريد فعلا أن يسمع الممثلين يتحدثوا؟ كانت جريدة جريدة نيويورك تايمز هى الأخرى باخسة لقدر التقدم العلمى، فى 1903 أقرت الجريدة بأن الآلات الطائرة ما هى إلا مضيعة للوقت ، و ذلك قبل أسبوع فقط من نجاح الأخوان رايت فى الطيران بشمال كارولينا! أما فى 1920 ، أنتقدت نيويورك تايمز محاولات "روبرت جودارد" عالم الصواريخ بشدة و رأت انها ليست ذات معنى ،لأن الصواريخ لا تستطيع الحركة فى الفراغ!بعد 49 عام من هذا النقد اللاذع، نشرت نيويورك تايمز إعتذارها الرسمى عن هذا الخطأ فمن الواضح أن الصواريخ يمكنها الحركة فى الفراغ و إلا ما أستطاعت رحلة أبوللو الهبوط على سطح القمر!

اعتذار جريدة نيويورك تايمز

حتى أننا نستطيع أن نتبين بخس كتاب الخيال العلمى لقدر الإكتشافات العلمية.عندما تشاهد حلقات السلسلة التليفزيونية الشهيرة ستار تريك"Star Trek" فى بداياتها عام 1960 ، تلاحظ أن معظم تكنولوجيا القرن الـ32 الذى كانت تدور فيه أحداث السلسلة،هى تكنولوجيا موجودة لدينا بالفعل! كان المشاهدون آنذاك لهم حق الدهشة لرؤية التليفون المحمول و الكمبيوترالمحمول أيضا و الاجهزة التى يمكنها أن تتحدث...و لكن اذا شاهدتها الآن فلن تتملكك الدهشة على الإطلاق.

فهم قوانين الطبيعة


لكى نتفادى كل تلك الأخطاء السابقة فى التوقعات المستقبلية، لابد و أن نسأل ما هى القواعد العلمية التى ترتكز عليها التنبؤ بتكنولوجيا المستقبل؟
نحن الآن نمتلك ميزة لم يمتلكها فيرن أو دافنشى آنذاك، و هى اننا نقف على قاعدة علمية و فهم واثق للقوانين التى تحكم الطبيعة.دوما ما تكون التنبؤات معطوبة، و لكنها لن تكون كذلك إذا استطعت ان تفهم القوانين الأربعة المحركة للكون كله. كل مرة فهم فيها الإنسان أحد تلك القوانين الأربعة ، تغيرعلى إثره تاريخ البشرية جمعاء.
القوة الأولى التى شُرحت هى "قوة الجاذبية" ، فقد أعطانا نيوتن مجموعة من القوانين الميكانيكية التى تحكم حركة أى جسم نتيجة تأثير قوة ما عليه . وهو ما ساعد بالتبعية فى شق الطريق إلى الثورة الصناعية و تفعيل قوة البخار.
أما القوة الثانية التى تمكن الإنسان من فهمها هى"القوة الكهرومغناطيسية"، التى تنير المدن و الأجهزة الكهربائية بالطاقة.عندما تكاتفت جهود كل من توماس أديسون و مايكل فاراداى و جيمس ماكسويل و آخرين لشرح الكهربية و المغناطيسية، أشعلوا الثورة الإلكترونية التى خلقت كم لا بأس به من المخترعات العلمية. يمكننا أن نشعر بذلك فى كل مرة تنقطع فيها الكهرباء،و كأننا فجأة عدنا بالزمن 100 سنة إلى الوراء!

القوى الثالثة و الرابعة هما القوتين النوويتين، القوة النووية الضعيفة و القوة النووية القوية.حينما تفتق ذهن أينشتين عن معادلته السحرية E=MC^2 و عندما إنشطرت الذرة عام 1930 ،بدأ العلماء فى فهم القوى التى تنير السماء. إنكشف الستار عن سر النجوم ، ليس ذلك فحسب بل فجرت قوة الأسلحة الذرية، و أعطت آمالا واعدة بإمكانية تطويع هذه الطاقة على الأرض.

لدينا اليوم معرفة لا بأس بها عن هذه القوى الأربعة ، القوة الأولى الجاذبية تشرحها النظرية النسبية العامة لآينشتين، أما القوى الثلاثة الأخرى فقد شرحتها نظرية الكم و التى سمحت لنا بفك شفرة عالم الذرة. و كان نتاج تلك النظرية إختراع الترانزيستور و الليزر و الثورة الرقمية التى تمثل المجتمع الحديث الآن، كما أستخدم العلماء قوة نظرية الكم لكشف أسرار جزئ الحمض النووى DNA. سرعة إنجازات التكنولوجيا الحيوية و الطبية راجعة إلى تكنولوجيا الحواسيب، لأن قراءة جزئ الـ DNA تتم بإستخدام اللآلات و الروبوتات و الحواسيب.
و بناءا على ذلك فإننا نستطيع أن نرى بشكل أفضل إلى أين يتجه علم و تقنية المستقبل خلال القرن القادم.بالطبع سوف ما يكون دوما هناك إبداعات و مخترعات غير متوقعة و لم تخطر لنا ببال و لكننا على الأقل لا نتوقع فى المستقبل القريب أى تغيير فى المعارف الأساسية التى تقود للمستقبل، لذلك نستطيع القول بشئ من الثقة إمكانية وضع الخطوط العريضة التى تحدد معالم المستقبل فى عام 2100 ، لأن كتاب"فيزياء المستقبل" قائم على مقابلات مع 300 من العلماء تخرج من تحت أيديهم المخترعات و المكتشافات، التى بنيت نماذجها الأولية بالفعل كما أنها قائمة على القوانين الأربعة التى تحكم الكون،أى انها ليست محض خيال خصب.

يتبع

الاثنين، 18 أبريل 2011

العالم عام 2100 -الجزء الأول

أضع بين أيديكم اليوم ، مقدمة أكثر من رائعة لكتاب يفوق الوصف "فيزياء المستقبل" . هذا الكتاب الذى كان احد أحلام كاتبه دكتور "ميتشيو كاكو" الملقب بخليفة أينشتين و مؤسس نظرية "الأوتار الفائقة"...لن أتحدث طويلا سوف ننطلق الآن على لسان د.كاكو ليقدم لنا كتابه الرائع، سوف نسافر من خلال المقدمة فى رحلة عبر الأزمان من الماضى السحيق لنعود إلى حاضرنا اليومى فننطلق منه لعالم المستقبل المبهر فتثبتوا فى مقاعدكم لكى تبدأ الرحلة.



مررت فى صغرى بتجربتين ، ساعدتا لأكون الشخص الذى أنا عليه اليوم ، و ولدتا لدى شغفين شكلا حياتى بالكامل.أولهما عندما كنت صغيرا فى سن الثامنة من العمر، نقل لنا المعلمون أخر الأخبار عن عالم كبير قد توفى لتوه.فى تلك الليلة نشرت الصحف صور ملتقطة لحجرة مكتبه، و يوجد على سطحه مخطوطة كتابية غير كاملة لآخر أعماله، أما التعليق على الصورة فقد كان "أعظم علماء هذا العصر لم يستطع إكمال آخر مخطوطاته". ما سألته لنفسى فى حينها :هل ذلك الشئ من الصعوبة حتى أن هذا العالم العظيم لم يستطيع إكماله إلى نهايته؟ ماذا يكون هذا الشئ المعقد و الهام فى آن واحد؟ من وجهة نظرى أصبح هذا الشئ أكثر تشويقا من غموض جرائم القتل و أشعل فضولى أكثر من قصص المغامرات.


كان لابد أن أعلم محتوى هذه المخطوطة الغير مكتملة.لقد إكتشفت لاحقا أن اسم ذلك العالم كان"ألبرت أينشتين" أما عن مخطوطته الغير مكتملة فقد كانت محاولاته لإبداع نظرية جديدة ...."نظرية كل شئ" ، فى الغالب هى معادلة بسيطة طولها بوصة واحدة فقط لا غير و لكنها المفتاح لحل شفرة أسرار الكون.

مخطوطات أينشتين الغير مكتملة

أما عن التجربة الثانية التى مررت بها كانت عندما شاهدت البرنامج التلفزيونى " فلاش جوردن"، كل أسبوع كانت أنفى تلتصق بشاشة التلفاز التى كانت تنقلنى بشكل سحرى إلى عالم غامض من كائنات الفضاء ،الوحوش ، المركبات الفضائية النجمية ، معارك المسدسات الشعاعية و المدن تحت الماء. كان هذا أول إحتكاك لى مع عالم المستقبل. لكن بعد مشاهدتى لكل حلقات البرنامج ،بدأت أكتشف أنه على الرغم من أن "فلاش"(بطل البرنامج) هو من كان يحظى بكل الجوائز ، إلا أن العالم "د.زركوف" هو من جعل هذا البرنامج ينجح.هو من إخترع المركبات الصاروخية، الدرع الخفى، مولد الطاقة للمدينة فى السماء....إلى آخره.البطل الوسيم هو من ينال تقدير المجتمع لكن المخترعات المستقبلية المبهرة وراؤها علماء مجهولون لم يتغنى أحد بهم.

فلاش و د.زركوف

لاحقا عندما كنت أدرس فى المرحلة الثانوية، قررت أن أتبع خطوات هؤلاء العلماء و وضعت بعض مما تعلمت تحت الإختبار.تمنيت أن أصبح جزء من هذه الثورة التى علمت أنها سوف تغير العالم.أردت صنع "ساحق للذرات"، فذهبت لأحصل على إذن من أمى لبناء مسرع جزيئات بقوة 2.3 مليون إلكترون فولت فى جراج المنزل! كانت مدهوشة بعض الشئ إلا أنها وافقت فى النهاية.ثم ذهبت لكى أشترى إحتياجاتى من 400 رطل من صلب المحولات و 22 ميل من أسلاك النحاس و قمت بتجميع المسرع فى جراج أمى!فقد كان هدفى أن أولد شعاع من المادة المضادة.الملفات المغناطيسية لساحق الذرات نجحت فى توليد مجال مغناطيسى بقيمة 10000 جاوس و هى حاولى 2000 مرة أكبر من المجال المغناطيسى للأرض و كذلك كافية لكى تنتزع مطرقة حديدية من يدك بسهولة).عندما كنت أقوم بتشغيل الألة كانت تسحب طاقة بمقدار 6 كيلو وات و هو كل التيار الذى تستطيع مولدات المنزل أن تقدمه. و كلما شغلت الألة كانت تفجر المنصهرات Fuses (مؤكد أن أمى المسكينة تساءلت لماذا لم تنجب طفل يهوى لعب كرة القدم بدلا من ذلك).

بذلك أصبح لدى شغفين:الرغبة فى فهم كل القواعد الفيزيائية للكون فى نظرية وحيدة متجانسة و الرغبة فى رؤية المستقبل.فى نهاية المطاف أدركت أن هاتين الرغبتين تكمل كل منهما الأخرى.لأن المفتاح لفهم المستقبل هو بإدراك قوانين الأساسية للطبيعة و تطبيقها على الآلات و المخترعات و الوسائل العلاجية التى سوف تؤدى بحضارتنا بعيدا إلى المستقبل.


لقد وجدت الكثير من المحاولات المفيدة و العميقة التى تستهدف التنبؤ بالمستقبل. و لكنها أتت من مؤرخين و علماء الإجتماع و كتاب الخيال العلمى و المستقبليين ، و هؤلاء دخلاء يحاولون التنبؤ بالمستقبل بدون معرفة بالعلم نفسه. أما العلماء فهم المطلعون الذين يمتلكون المقدرة على صنع المستقبل فى معاملهم و منشغلين تماما فى القيام بإختراقات علمية جديدة على أن يجدوا الوقت لنشر كتاب عن المستقبل للجمهور العام.لذلك يعتبر كتاب "فيزياء المستقبل" مختلف عن غيره من الكتب .أتمنى أن يعطى هذا الكتاب وجهة نظر تعمقية فى المكتشفات الإعجازية التى تنتظرنا فى المستقبل و يعطى نظرة مثبتة على العالم فى عام 2100.
بالطبع فإن التنبؤ بالمستقبل بدقة كاملة غير ممكن. الطريق الوحيد المتاح لفعل ذلك، بأن تدخل إلى عقول العلماء المنغمسين فى عمق الأبحاث و هم وحدهم القادرين على صنع المستقبل.هؤلاء هم من يصنعون المبتكرات و الأجهزة و الوسائل العلاجية التى سوف تحدث ثورة حضارية.و هذا الكتاب هو قصتهم، كانت لدى الفرصة لكى أحظى بلقاء مع 300 من أفضل علماء و المفكرين فى العالم فى محطات التليفزيون و الإذاعة القومية، كذلك إصطحبت فرق التصوير التلفزيونية إلى معاملهم لتصوير النماذج الأولية لمخترعاتهم التى سوف تغير مستقبلنا.
معظم التنبؤات التى أتى بها هذا الكتاب مدرج لها جدول زمنى، لتعطى الكتاب درجة عالية من الدقة إعتمادا على حكمة و بعد نظر العديد من العلماء الذين إلتقيت بهم.يعطى الكتاب نظرة للمستقبل فيناقش التقنيات التى فى طريقها إلى النور خلال المائة سنة القادمة، فترسم مسار السباق الإنسانى و تحدد مصير البشرية جمعاء.

يتبع

المصدر:1

الصفحات