السبت، 24 مارس 2012

أنف سمكة المنشار:كالسكين السويسرى متعدد الإستخدامات

تجدها مرابطة بالقرب من قاع المحيط ، تتجول "سمكة المنشار" بهدوء متحفز بحثاً عن ضحيتها القادمة. شاحذة "حاستها السادسة" التى تمكنها من إيجاد فريستها فى أكثر المياه وحولةً و أشدها ظلمة ، و مهما كانت براعة الفريسة فى ممارسة أساليب التخفى و الخداع فلن تجد لها مهربا فى مواجهة سمكة يناهز طولها السبعة أمتار . لقد نالت سمكة المنشار تسمية "القرش النجار The Carpenter Shark" عن إستحقاق، فعندما تراها تحسبها قرشاً متنكرا بمنشار ممتد عند المقدمة ، تكفى ضربتين خاطفتين منه لتصبح ضحيتها نصفين!

لم يشاهد أحد سمكة المنشار تصطاد من قبل ، فكثُرت التكهنات حول وظيفة "المنشار" تحديدا ، فهل تستخدمه السمكة لنبش الرمال و الوحل فى قاع المحيط بحثا عن فريسة مختبئة؟ أو ربما تنقض بزوائده المسننه قاطعة أجزاء من حوت ضخم؟ أم تشق به طريقها فى قلب المحيط المزدحم؟

إن صفة الأنف الطويل المميز لدى سمكة المنشار ليست حكراً عليها وحدها إنما هى سمه مشتركة بين العديد من الفصائل السمكية الأخرى و فى كل منها تختلف استخدامات هذا الأنف! و من هنا كانت أسباب حيرة العلماء بشأن وظيفة أنف سمكة المنشار.

تُعد "سمكة السيف" من أشهر الأسماك المعروفة بأنف طويل و مدبب و إسمها العلمى "السمكة المنقارية Bill Fish" ، و التى تشهر سيفها فى مواجهة فرائسها و تسدد به طعنات متلاحقة تصبح بعدها الفريسة جاهزة للأكل، لكن الأنف المفلطح الخاص بـ"سمكة المجداف Paddle Fish" فوظيفته أكثر سلمية إذ يساعدها على الإحساس بالعوالق البحرية و تحديد مواقعها بدقة و هو الأمر الذى يجعل من مهمة الأنف فى النهاية غير ودية البتة لأن الفريسة مصيرها أن تؤكل أيضا! أما القيام نبش الرمال و الأوحال فى القاع بحثا عن فرائس مختبئة فهو وظيفة أنف "سمكة الحفش Sturgeon " و التى ما أن ينتهى أنفها من مهمته حتى يبدأ الفم بأداء دوره فى "شفط" الضحية لتستقر فى معدتها فى النهاية.

سمكة السيف


السمكة المجدافية


سمكة الحفش

المدهش فى أمر سمكة المنشار أن وظيفة أنفها تجمع ما بين تلك الإستخدامات مجتمعة جاعلة إيها سمكة حاذقة مفترسة لا تقهر...

الحاسة السادسة

إن سمكة المنشار هى المفضلة لدى "باربارا ورينجر" الباحثة المتخصصة فى علوم الأعصاب الأحيائية بجامعة كوينزلاند الأسترالية و من خلال أبحاثها المتتابعة حول سمكة المنشار ، نجحت "ورينجر" فى كشف أسرارها أخيرا، فتقول "ورينجر" :"إن وظيفته تشبه اللمس عن بعد". أجرت "ورينجر" تشريحا على سمكة منشار نافقة و تمكنت من إيجاد عددا من المسام الدقيقة على طول المنشار، و التى ثبت بالتجربة أنها تعطى السمكة المقدرة على الإحساس بالمجالات الكهربية التى تصدرعن إنبساط و إنقباض عضلات و قلوب الأحياء البحرية أثناء حركتها بالجوار و هى سمة تتشارك فيها فصائل القروش و الرقيطات و نجدها فى ثدييات بحرية مثل الدلافين.

شاهد هذا المقطع المصور للتجربة التى أجرتها "ورينجر" و تقوم فيها سمكة منشار بمهاجمة أقطاب تصدر مجالات كهربية تحاكى المجالات التى تصدر عن الأحياء البحرية:



لم تكتفى "ورينجر" بأن تكون تجربتها قاصرة على مشاهدة السمكة تصطاد فحسب، لكنها عزمت على تفسير سلوكياتها فى إستخدام المنشار كأداه إحساس للحصول على الغذاء.

فقامت بإنشاء خرائط لأماكن المسام الحساسة على المنشار و قارنتها مع أماكن المسامات لدى سمكة "الرقيطة مجرافية الأنف" . فوجدت أن مسام الإحساس بالمجالات الكهربية لدى مجرافية الأنف متمركزة حول الفم و عزت تفسير ذلك إلى أن عينى سمكة مجرافية الأنف تقع فى أعلى جسمها المفلطح بينما يكون الفم فى الأسفل لذا فإن مسام الإحساس تلك تساعد السمكة فى تحسس طعامها حتى و إن لم تراه.

الرقيطة مجرافية الأنف

على عكس سمكة المنشار التى تتركز مسام الإحساس الخاصة بها على السطح العلوى من المنشار و هو ما يفسر تخليها عن موقعها بالقرب من القاع لتسبح إلى أعلى لمهاجمة فريسة احست بها فى المجال أعلى المنشار.

أداة القتل

فى اللحظة المناسبة تنقض سمكة المنشار على فرائسها من الأسماك و الأحياء البحرية الصغيرة و لا تزج بنفسها فى معركة خاسرة مع الحيتان الضخمة، كما أنها لا تهاجم الإنسان إلا فى حالة مفاجأتها، فإنها تستخدم المنشار كأداة دفاع عن النفس.

أنف سمكة المنشار لم يكن ليعتبر كسلاح قاتل بالنظر إلى كونه زائد غضروفى طويل يشبه أنف السمكة المجدافية تماما و يتشارك كلاهما فى إستخدامه كحساس للمجالات الكهربية و لكن سمكة المنشار تتفوق على المجدافية فى وجود بروزات حادة تشبه الأسنان نامية من جلد الغضروف ، بل و أنها تشحذ منشارها لتزيد من حدته عن طريق حك اسنانه بالقاع ، و قد فُسر هذا السلوك خطأً من قبل، بأن السمكة تعبث بالمنشار فى التراب بحثا عن فريسة مختبئة.

لذلك فإن سمكة المنشار بضربات عرضية خاطفة تستطيع أن تقطع الأسماك الصغيرة إلى نصفين ، و عندما تنهى هجومها السريع ، فإنها تستخدم الأنف لتصحب فريستها مرة أخرى إلى القاع فتثبتها و تشرع فى أكلها.

و هذا المقطع المصور لتجربة "ورينجر" يسجل سلوك هجوم سمكة المنشار المسماة "Pristis pectinata" على أسماك التونة التى يُلقى بها من أعلى الخزان الذى تسبح فيه و تثبيتها للأسماك بإستخدام المنشار فى القاع :



خطر الإنقراض

مع الأسف فإن المنشار لم يجلب على السمكة سوى خطر الإنقراض، فهى تقع بأنواعها السبعة على رأس قائمة الكائنات المهددة بالإنقراض و يمكننا أن نلقى باللوم فى هذا الأمر على الإنسان...ثم المنشار!

فإن الزحف العمرانى على السواحل و بناء الموانئ، يدمر مواطن العيش الطبيعة الخاصة بأسماك المنشار ، كما أن السعى الحثيث للصيادين للإمساك بها من اجل الإتجار فى المنشار و الزعانف و التى تستخدم كجوائز و تذكارات، يضعها فى خطر محقق . حتى و إن لم يمسك بها الصيادون عن قصد ، يكون المنشار ذو الزوائد المدببة غالبا هو السبب فى وقوع سمكة المنشار فى شباكهم حيث يعلق بها بينما تقوم السمكة بمطاردة فريسة.

أيضا يدعم هذا التناقص الخطير فى أعدادها و يؤجج من خطورته أن الأعداد المنقوصة و المهدرة من أسماك المنشار لا يعاد تعويضها من قبل فصائلها نفسها بالتكاثر ذلك لأنها بطبيعتها أسماك بطيئة النمو و التكاثر.

ترى "باربارا ورينجر" أن العلماء و الباحثين لابد و أن يكون لهم دورهم فى الحفاظ على سمكة المنشار من خطر الإنقراض. و توضح "ورينجر" أنه هناك العديد من الأبحاث الآن تعمل على تطوير تقنيات لإبعاد فصائل القروش و الرقيطات عن شباك الصيادين بإستخدام مجالات كهربية أو مغناطيسية و لكى تُستخدم هذه التقنية لابد و أن يتم دراسة قوة المجال الذى يجذب تلك الأسماك و هو ما تدور حوله أبحاث "ورينجر" حاليا و بإستخدام التقنية نفسها يمكن إيجاد قوة المجال التى تصد أسماك المنشار بعيدا عن خطر الوقوع فى الشباك، أملا فى الحفاظ على هذه الفصيلة المميزة من الأسماك.

ملحوظة ختامية: ما أطلقنا عليه "أنف" فى هذا المقال هو ليس أنفا بالمعنى الوظيفى للأنف فهو لا يستخدم فى الشم بالطبع، لكن هذا الجسم سواءا أكان منشارا أو سيفا فهو يقع فى المسافة الفاصلة بين العينين و الفم لذا فهو "أنفا" مجازيا و لكن التسمية الأكثر دقة لهذا الأنف المجازى هى "الخطم Snout".

___________________
المصادر:

1- Wueringer, Squire, Kajiura, Hart & Collin. 2012. The function of the sawfish’s saw. Current Biology, citation tbc.
2- How sawfish impale prey with a toothy snout
3- Sawfish Snout Has Sixth Sense, Splits Prey in Half
4- Sawfish snout senses, swipes and stabs
5- How the sawfish wields its saw… like a swordsman

الثلاثاء، 6 مارس 2012

الأحاديث السرية بين النباتات:رسالة إلى من يهمه الأمر

تزحف يرقة صغيرة متسلقة جذع نبتة "الطباق" ببطء و روية ، و ما أن تصل إلى ورقتها المخضرة حتى تشرع فى إلتهامها قضمة تلو الأخرى، و لا حيلة للنبتة المسكينة سوى الإستسلام لفكى يرقة جائعة. و بينما تستمتع اليرقة بوجبتها الخضراء ، تُفاجأ بإنقضاض من ألد أعدائها "الدبور الطفيلى" ، و تدور بينهما معركة تنتهى بهزيمة الدودة و نجاح الدبور فى وضع بيضة داخلها حتى إذا ما تفقست ، تقتات صغار الدبور الوليدة على اليرقة و تقتلها ببطء. يمكننا القول أن هجوم الدبور لم يكن مصادفة بحتة ، إنما هو تلبية لرسالة إستغاثة بعثت بها نبتة الطباق عن قصد إلى الدبور لكى ينقذها من براثن اليرقة الجائعة.


هجوم الدبور الطفيلى على اليرقة آكلة الطباق

رسالة:"النجدة!"

فى أى لحظة تتوقع نبتة الطباق هجوم من أحد أعدائها الطبيعيين من يرقات العُث ، ناهيك عن بق الأوراق و البرغوث الخنفساء. قد لا تكفى الأشواك وحدها لردع هذه النوعية من الأعداء و لابد من اللجوء إلى الحلفاء. يتبع أفراد الفصائل النباتية المختلفة هذه الإستراتيجية الدفاعية التى تشبه إلى حد كبير تلك التى يتبعها الجهاز المناعى للإنسان عندما يطلق أجسامه المضادة للقضاء على مسببات الأمراض من فيروسات أو بكتيريا دخيلة. ذكاء الإستراتيجية يكمن فى الكيفية التى يتواصل بها النبات مع حلفائه و التى سعى العلماء حثيثا لإكتشاف اللغة الكامنة وراءها. قد يبدو عالم النبات غارقا فى صمت مطبق ، بينما تكسر ضوضاء البرية من حوله حاجز الصمت ، لكن تحت هذا الغطاء الصامت يدور حديث كيميائي صاخب.

مع أول قضمة تلتهمها الحشرة المعادية ، يتعرف النبات عليها مباشرة من لعابها و من ثم فإنه يطلق مواد كيميائية سامة لتقتلها أو على الأقل تسبب لها عسر هضم! ربما لا تنجح تلك التقنية ، و منها ينتقل النبات إلى خطه الدفاعى الثانى بإطلاقه لمواد طاردة تنتشر عبر الهواء لإجبار الحشرات الدخيلة على الإبتعاد عنه.

عكف عالم الأحياء "إيان بولدوين" من معهد ماكس بلانك الألمانى ، على إستكشاف اذا ما كان النبات يمتلك أسلحة دفاعية أخرى فى ترسانته الحربية. لذلك فقد صمم وشريكه "أندريه كيسلر" تجربة لدراسة رد فعل الحشرات تجاه المواد الكيميائية المختلفة التى تطلقها النباتات فى حالة الخطر. و بمحاكاة لحالة تعرض نبتة الطباق للهجوم من قبل العُث و وضع بيضه على ورقتها ، تبين أن أحد أعداء العث و هى حشرة "جيوسوريس بالينز Geocoris Pallens" و التى تتغذى على بيوضه قد إنجذبت بالفعل تجاه النبتة مُلبية نداء الإستغاثة. و فى هذا الصدد يؤكد "كيسلر" : تستطيع النباتات وقاية أنفسها من نحو90% من أعدائها المتغذيين على العشب بإطلاق كيماويات معينة تنتشر عبر الجو، و يضيف أن التواصل الكيميائى فى النباتات هو أمر طبيعى و يحدث من حولنا بشكل متكرر دون أن نلحظ.

حشرة جيوسوريس تنجذب لنبتة الطباق

كان "بولدوين" من أوائل من أجروا تجاربهم فى قلب الطبيعة ، لكن سبقه إلى دراسة اللغة الكيميائية للنباتات العديد من العلماء الذين قد أجروا تجاربهم داخل المعمل، منهم بروفيسورة "كونسويلو دى موريس" المتخصصة بعلم الحشرات بجامعة ولاية بنسلفينيا. كشفت " دى موريس" من خلال تجربها أن النباتات التى تطلب المساعدة من الحشرات لا تطلق إستغاثتها لأى حشرة عابرة أملا فى أن تلبى أحدها النداء. و تشرح "دى موريس" أن النبات المصاب يوضح فى رسالته لطلب المساعدة أنه قد تعرض للهجوم بل و من قام بالإعتداء عليه و من ثم فإن الحشرة المعنية هى فقط التى تستجيب للنداء . و يعزى هذا الأمر إلى أن النباتات تتعرف على الحشرة المعتدية من لعابها لذلك فإنها تطلق إنبعاثاتها الكيميائية لكى تجذب حشرة حليفة بعينها ، ففى حالة هجوم يرقة العُث على نبتة الطباق كمثال ، يقوم الطباق بإستدعاء "الدبور الطفيلى" الذى يضع بيضه فى تلك اليرقة.

هجوم الدبور

رسالة:"إحذر!"

إذا كان النبات يستخدم لغته الكيميائية للتواصل مع حلفائه من الحشرات، فإن أبناء عشيرته من نباتات هم أيضا أولى بالتواصل ، و هم أكثر حاجة لتلقى رسائل "تحذير". على مدى سنوات من البحث وجد العلماء أن أشجار الصفصاف و الحور و جار الماء و البتولا تتجاذب أطراف الحديث مع ما حولها من نباتات و تكون فى حالة إنصات لأى إشارة تحذير تأتى من رفاقها فى البرية. فى عام 1988 تناول "ميرسيل ديك" و فريقه البحثى من جامعة "فاغينينغين" الهولندية سلوك النباتات تجاه رسائل التحذير بالبحث و قد وجدوا أن النباتات التى تعرضت للإنبعاثات الكيميائية المنتشرة فى الجو جراء تعرض نباتات القطن و الفاصوليا البيضاء لهجوم من السوس ، تشحذ أسلحتها الدفاعية و تتأهب لأى هجوم قريب بإطلاقها للمواد الكيميائية التى تستدعى أعداء السوس. و لا يشترط أن يكون النبات السليم من نفس فصيلة النبات المتضرر حتى يفهم لغته ، حيث وجدت الدراسات أن نبتة الخيار تبدى ردة فعل تجاه اشارات نبتة الفاصوليا البيضاء المصابة.

بالرغم من كل ما يمتلكه العلماء من نتائج دالة على أن هناك خطاب مباشر بين النباتات و بعضها ، لم يكون هناك دليل دامغ على أن الكيماويات المنبعثة من النبتة "أ" تصل إلى النبتة "ب" و عليه فإن النبتة "ب" تبدى تصرفها. يتطلع بروفيسور الكيمياء الحيوية بجامعة إكيستر "نيك سميرنوف" إلى البت القاطع فى هذا الأمر، و من أجل هذا الهدف كان على "سميرنوف" أن يسجل تلك الإنبعاثات و يراها رأى العين حتى يثبت حدوثها. مؤخرا وجد "سميرنوف" ضالته المنشودة فى "اليرعة"، الحشرة التى تتوهج فى قلب ظلام الدامس ، و بإستخدام الهندسة الجينية إستخرج "سميرنوف" البروتين المسمى "لوسيفيريس" من الحمض النووى "دى إن إيه" الخاص باليرعة و هو المسئول الأول عن مقدرتها على التوهج فى الظلام.

اليرعة المتوهجة

أدخل "سميروف" تعديلات على الحمض النووى لنبات "الكرنب" بإضافة بروتين "لوسيفيرس" المستخرج من اليرعة و الذى بدوره يجعل من الإنبعاثات الكيميائية "ميثيل جاسمونيت" من الكرنب متوهجة و مضيئة يسهل تسجيلها بإستخدام الكاميرا.

باشر بروفيسور "سميرنوف" بإجراء تجاربه فقطع أحد أوراق الكرنب بإستخدام مقص و تمكن من إلتقاط مسار الإنبعاثات من الكرنب المصاب إلى نبتتى كرنب قريبتين و اللتين بدورهما إستلمتا رسالة التحذير و أفرزتا مواد سامة على الأوراق لحمايتهما من الأعداء مثل الديدان.

نبات الكرنب يشحذ دفاعاته بالإنصات إلى النباتات المجاورة

شبكة نباتية

لا يقتصر التواصل عبر الجو كوسط لنقل الدردشة الكيميائية بين النباتات ، حيث تمكن بعضها من تطوير وسائل أخرى للتواصل بإستخدام شبكات داخلية نرى الشبه فيها واضحا مع شبكات الإنترنت العالمية! بعض النباتات مثل الفراولة و البرسيم و قصب السكر تمتلك شبكة من الوصلات التى تتبادل عبرها المعلومات و تتألف تلك الشبكات من جذوع افقية تمثل قنوات اتصال على سطح التربة أو تحت الأرض. أجرى الباحث "جوزيف ستوفر" و فريقه من جامعة "رادبود" الهولندية، تجاربهم على مدى فاعلية هذه الشبكات فى حماية الأفراد المشاركين فى الشبكة من الخطر.

قام "ستوفر" بإطلاق سراح دودة لتأكل من ورقة نبات البرسيم الأبيض متفرعة من شبكة من الوصلات ، و بعدها سمح لمجموعة أخرى من الديدان للإختيار بين شبكة البرسيم التى تحتوى على ورقة مصابة و شبكة أخرى مجاورة لم يمسها الأذى، فكانت النتيجة أن الديدان لم تقرب الشبكة التى أصيبت أحد أفرادها . و يفسر "ستوفر" السبب بإستلام باقى أفراد الشبكة رسالة إنذار من الورقة الضحية عبر القنوات الداخلية و تولت كل ورقة إستلمت التحذير مهمة إعادة إرساله لباقى أفراد الشبكة ، و على إثرها تتخذ الأوراق وضعها الدفاعى كيميائيا، أو ميكانيكيا بأن يجعل النبات أوراقه أكثر قساوة فى المضغ و غير مرغوب فى الأكل.



الشبكة الداخلية للبرسيم الأبيض تنقل التحذيرات

بينما تعتبر تقنية الشبكات النباتية ميزة لحماية أفرادها فهى كذلك عيب خطير لقدرتها على نشر الفيروسات ، حيث أن الفيروس يجد له مدخلا عبر ورقة واحدة ليصيب الشبكة بالكامل بالعدوى ، و يشبه "ستوفر" هذه الحالة بفيروسات الحاسوب التى تتفشى على أجهزة الشبكة الواحدة.

القضاء على الآفات

إجراء الأبحاث العلمية من أجل فهم أكبر للغة النباتات الكيميائية تنعكس بشكل إيجابى على إحداث تغيرات ثورية على نظم الزراعة. يعتمد المزارعون بشكل أساسى على المبيدات و الكيماويات لمكافحة الآفات و الحشرات الضارة بالمحاصيل الزراعية، و ذلك لأن تلك المحاصيل فقدت مقدرتها الطبيعية على طلب المساعدة من حلفائها من الحشرات. القطن البرى كمثال تبلغ إنبعاثاته الكيميائية لإستدعاء الدبور الطفيلى نحو 10 امثال نظيره المزروع محليا.

يستفيد الباحثون فى الدول نامية من القدرات الطبيعية لدى النباتات على إستدعاء الحلفاء أو تنفير الأعداء للحفاظ على جودة المحاصيل. فى شرق أفريقيا تصاب محاصيل الذرة بـ"الديدان حفارة السيقان" ، لذلك فإن زراعة حشائش "مولاس قصب السكر" فى الحقل تدفع الآفات بعيدا عن المحصول ، فهو يطلق مواد كيميائية طاردة للديدان و جاذبة لأكثر أعدائها شراسة "الدبور الطفيلى". و فى الوقت ذاته يمكن زراعة النباتات التى تقتات عليها الديدان حول الحقل و بذلك يجذب الآفة بعيدا عن المحصول الأصلى.


زراعة مولاس قصب السكر فى حقول الذرة للتخلص من الآفات

تركز أبحاث علماء النباتات و بخاصة دراسات بروفيسور "بولدوين" على إيجاد تقنيات طبيعية للقضاء على الآفات بتحسين دفاعات المحاصيل الزراعية لتقوم بحماية نفسها بنفسها و طلب المساعدة من حلفائها من الحشرات حال تعرضها للهجوم ، دون اللجوء إلى المبيدات الصناعية من قبل المزارعين.

يتبادر عبير الزهور و عبق النبات الأخضر على أنوفنا نحن البشر، كخلفية عطرة لطبيعة تبدو مسالمة و هادئة. لكن بالنسبة لسكان البرية من نباتات و حشرات فإن تلك الروائح التى تحمل جزيئاتها الكيميائية كلمات و عبارات غير منطوقة ، تنذر بقرب معركة شرسة...من أجل البقاء.

المصادر:1,2,3

الصفحات