أول رئة إصطناعية على شريحة فى حجم عملة معدنية و تحاكى عمل الرئة الطبيعية تماما، إنها القفزة العلمية التى حققها البروفيسور "دونالد انغبر" فى معمله بجامعة هارفرد. يحكى "إنغبر" : هذا الجهاز هو شريحة صغيرة بطول 2 سنتيمتر مصنعة عن طريق الهندسة الميكروية التى تستخدم فى الأساس لتصنيع شرائح أجهزة الكمبيوتر.
كيف تعمل الرئة الطبيعية؟
لنوضح كيفية عمل هذه الشريحة،لابد لنا أولا من معرفة الكيفية التى تعمل بها رئتنا.وظيفة الرئة المعروفة لدينا هى القيام بأخذ الاكسجين من الهواء فى عملية معروفة بإسم" الشهيق" حيث يتحرك الحجاب الحاجز لأسفل متيحا بذلك مساحة للرئة لكى تتسع و تستوعب كميات كبيرة من الهواء. أما المهمة الثانية التى تقوم بها الرئة تخليص الجسم من ثانى أكسيد الكربون فى عملية معروفة بإسم" الزفير" ،هنا يتحرك الحجاب الحاجز لأعلى دافعا الهواء المحمل بثانى أكسيد الكربون ليخرج من الرئة .
رئتنا و بكل بساطة تتكون من مجموعة من الاكياس الهوائية الصغيرة التى نطلق عليها إسم "حويصلات" تختزن الهواء المستنشق داخلها عن طريق الشهيق و تكون كل حويصلة محاطة بأعداد كبيرة من الشعيرات الدموية .يوجد بين كل حويصلة و شعيراتها الدموية، غشاء يسمح بعملية تبادل الغازات اللازمة للحياة. تحمل الشعيرات الدموية الدم المحمل بثانى أكسيد الكربون بينما تحمل الحويصلات الهواء الغنى بالأكسجين ، عند الغشاء بينهما يتم تنفيذ إتفاقية تبادل الغازات فيدخل الاكسجين فى الشعيرات الدموية محل ثانى أكسيد الكربون بينما يخرج ثانى أكسيد الكربون فى الحويصلات لتطرده خارجا عن طريق الزفير.
رأى "إنغبر" و مجموعته البحثية أن تصنيع جهاز يحاكى عمل الرئة سوف تكون له أهمية كبيرة فى الأبحاث العلمية . فبدلا من إجراء التجارب على الحيوانات أو البشر ، فإن هذه الشريحة سوف تؤدى نفس الغرض و بكفاءة تقترب من 100%. لكن كيف يمكن لهذه الشريحة الصغيرة أن تحاكى عمل الرئة الطبيعية. استخدم انغبر فى شريحته ،مجموعة صغيرة من الخلايا الرئوية ( الحويصلات) و الشعيرات الدموية و فيما بينهما غشاء ملئ بالثقوب الصغيرة التى تسمح بتبادل الغازات و ها هى الرئة على الشريحة جاهزة للعمل! هذه الشريحة هى نموذج مصغر للرئة الاصلية فلا حاجة لنا بإجراء التجارب الدوائية على رئة كاملة حقيقية، فإن ردة فعل و تفاعل هذه الرئة الاصطناعية بما تحتوية من القليل من الخلايا كافية لإثبات نجاح أو فشل علاج دوائى معين او تأثير غاز ما على الرئة.
كيف تعمل الرئة الإصطناعية؟
تتكون الرئة الإصطناعية(كما فى الصورة) من شريحة مرنة تتألف من الثلاث طبقات السالفة الذكر و هى طبقة الحويصلات ثم الغشاء و أسفلهما طبقة الشعيرات الدموية. على جانبى هذا الشريحة المرنة يوجد حجيرتان يفصل بين كل حجيرة و الشريحة جدار رقيق السمك، عند شفط الهواء من هاتين الحجرتين ينثنى الجداران الرقيقان للخارج ساحبين معهما الشريحة المرنة من كلا الجانبين و هو بذلك يقوم بعملية مط للشريحة سامحا للحويصلات بالتوسع و إستيعاب كميات من الهواء فى داخلها و من ثم هى محاكاة عمل الرئة فى عمليتى الشهيق و الزفيرأى أن الشريحة "تتنفس"!!
فى الفيديو التالى بروفيسور "إنغبر" يتحدث عن شريحته و يشرح التقنية التى تعمل بها:
لكى يتحقق "إنغبر" من مدى فاعلية هذه التقنية و إذا ما كانت تحاكى الرئة الحقيقية فعلا أو لا، قام بتعريض الرئة الاصطناعية الى أشباه ملوثاث مثل حبيبات السليكا النانوية و وجد أن ردة الفعل الرئة من إلتهاب و تسمم مماثل لنظيره فى حيوانات التجارب. و من ناحية أخرى عندما تتعرض الرئة الإصطناعية إلى نوع أخر من الحبيبات النانوية مثل انابيب الكربون النانوية أو أنابيب الذهب النانوية فأنها لا تبدى أى عرض تسممى أو إلتهابى و من ثم تثبت قابلية إستخدامهما فى تقنيات العلاج المختلفة.
مقطع عرضى للشريحة يبين الشريحة الوسطى و الحجرتان الجانبيتان
كما أبدى "إنغبر" اهتمامه بتوسيع نطاق تجاربه لإدخال تأثير خلايا الجهاز المناعى على الرئة الاصطناعية، إذ أن النظام التنفسى الطبيعى يتضمن خلايا الجهاز المناعى التى تدافع عن الجسم فى حالة وجود خطر عبر المجرى الهوائى. لذلك وضع انغبر شريحته تحت التجربة من خلال تعريضها لجرثومة و رأى كيف أن كريات الدم البيضاء( و هم جنود الجهاز المناعى فى الدم) قاموا بمحاصرة الجرثومة و القضاء عليها.فى الفيديو التالى نرى كيف تتحرك خلايا الدم البيضاء خلال الشعيرات الدموية حتى تصل المجرى الهوائى و تتجمع على الجراثيم لتحاربها:
من الممكن إستخدام الشريحة عموما فى التجارب السريرية للمرضى، إذ يكون من اللازم إجراء تجارب معينة لمعرفة ردة فعل جسم المريض لدواء معين عبر الفم أو الأنف لذلك و بدلا من تعريض حياة المريض للخطر بناءا على تخمينات قد تخطئ و قد تصيب ، لكن بإستخدام هذه التقنية يمكن أخذ عينة من رئة المريض و تصنيع شريحة من هذه العينة ثم إجراء التجربة عليها و ما ان يثبت مدى أمان و فاعلية علاج معين للمريض عندئذ يصبح من الممكن إستخدامه عليه مباشرة.
يمتلك "إنغبر" رؤى مستقبلية مشرقة لشريحته، إذ يتمنى التعاون مع شركات الأدوية لتوسع مجالات إستخدام الشريحة و لتصبح بديل جاهز فى التجارب الدوائية و بخاصة تلك التى غير متاح لها أن تجرب على الحيوانات أو غير متوقع تأثيرها على الإنسان. كذلك يأمل إنغبر أن تطبق تقنية المحاكاة هذه على أى عضو من أعضاء جسم الإنسان مثل القلب النابض و الأمعاء الدقيقة و أى عضو اخر يمكن قياس و مشاهدة ردة فعله نتيجة إمتصاص دواء معين و هو ما بدأ "إنغبر" و فريقه فى تنفيذه بالفعل حتى أنهم فى طريقهم الى اختراع شريحة تحاكى الخلايا السرطانية و من ثم سهولة إجراء تجارب علاجات السرطان بسهولة مما يسرع من عجلة إكتشاف علاج سريع و فعال للمرض. حصل إنغبر و فريقه على براءة إختراع لشريحة الرئة الإصطناعية و كذلك باقى الشرائح الإصطناعية الأخرى و هم فى طريقهم لتصنيع أجهزة حيوية كاملة تزرع فى الحيوان و قد يحتاجوا إلى عدة سنوات أخرى لكى يستطيعوا تطوير أجهزة حيوية لجسم الإنسان بإستخدام الخلايا الجزعية و لهذا حديث أخر.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،،
ردحذفنرغب في التواصل معكم للضرورة، بريدي الإلكتروني: domestix007@gmail.com
شكراً لكم و في إنتظاركم.