السبت، 26 مايو 2012

أفكار كبيرة لأناس مشغولين! - الجزء الثاني


نستكمل الأفكار الكبيرة ولكن على عُجالة! لهذا المقال جزء سابق يمكنك قراءته من هنا

فكرة كبيرة (5): أين يحدث التغيير المناخى فعليا على كوكبنا ؟

المتحدث : سوزن سُلومون ، أستاذ المناخ و علم الأرض بمعهد ماستشوستس للتقنية



أين يحدث التغير المناخى فعليا على كوكبنا ؟ قد تبدو الإجابة على هذا السؤال غاية فى السهولة و هى "أن التغيرات المناخية يبدو تأثيرها أكثر وضوحا عند أقطاب كوكب الأرض ، و يتلخص هذا التأثير فى الذوبان التدريجى للجليد عند كلا القطبين الشمالى و الجنوبى". و لكن تلك الإجابة ليست بالدقة المطلوبة و لذلك فضلت بروفيسور "سُلومون" الإجابة عن هذا التساؤل بإجراء المزيد من الأبحاث المتأنية متحرية الدقة هذه المرة و جاءت النتائج على عكس التوقعات...تماما!


بدراسة تغيرات المناخ على مدار 127 عاما منذ 1884 و حتى 2011 على الخرائط المناخية لكوكب الأرض، يمكن ملاحظة أن مقدار الزيادة فى درجة الحرارة تختلف من مكان لآخر حول العالم بل أن بعض المناطق لم تبدى أى إرتفاع فى درجات الحرارة على الإطلاق طوال هذه المدة. و لكن النتيجة المؤكدة من خلال دراسة تلك الخرائط أن المنطقة المدارية المحصورة بين مدارى الجدى و السرطان جغرافيا هى الأكثر إرتفاعا فى درجة الحرارة من أى مكان آخر فى العالم و ليس عند الأقطاب كما كنا نعتقد! إن المناطق المدارية أبدت إرتفاعا بمعدل ثابت فى درجة الحرارة بمقدار أجزاء من الدرجة على مدار 127 عام حتى وصلت الآن إلى أرتفاع بمقدار 0.7 درجة مئوية بفعل الأنشطة البشرية المسببة للإحتباس الحرارى و على النقيض تماما نجد المناطق القطبية و المناطق أعلى و أسفل المنطقة المدارية أبدت تغيرات أكثر عشوائية بين إرتفاع تارة و إنخفاض تارة أخرى من ثم فإن النتائج المترتبة على الإحتباس الحرارى لن تشاهد هناك بل فى المناطق المدارية حيث الإرتفاع المتزايد فى درجة الحرارة. و من المثير للدهشة حقا أن معدل إنبعاثات الغازات الدفيئة لكل شخص فى السنة فى الولايات المتحدة يزيد بـ 10 أضعاف عنه كولومبيا ، و يزيد بـ 400 ضعف فى جمهورية الكونجو الديموقراطية، فى الوقت الذى تقع فيه هاتين البلدتين على خطوط المواجهة الأمامية مع الإحترار العالمى على عكس الولايات المتحدة الأمريكية! لكن ماذا عن تأثير هذا إرتفاع الحرارة فى تلك المنطقة على المحاصيل و المياه و الحيوانات و البشر؟ هذا هو السؤال الذى ما زال ينتظر الإجابة.


فكرة كبيرة (6) : الصراع بين الأم و الجنين أثناء الحمل!


المتحدث : دافيد هيج ، أستاذ البيولوجيا بجامعة هارفرد



منذ بدء الخليقة تواجه الأم الحامل و جنينها مخاطر عدة أثناء الولادة، و على مر العصور الكثير من الأمهات توفين و أطفالهن خلال فترة الحمل و أثناء عملية الوضع. فى الحالات الطبيعية تتبع أعضاء الجسم فى عملها نظاما ثابتا لا تحيد عنه ، لكن أثناء الحمل و الولادة يختل هذا النظام كليا و ينقلب رأسا على عقب. و تعود أسباب هذا الإختلال إلى أن جسم الأم ليس هو الوحيد المتصرف فى أثناء فترة الحمل ، لكن ما يحدث الآن هو تفاعل ما بين جسمين مختلفين يحمل كل منهما تركيبة جينية فريدة عن الآخر. و من وجهة نظر البيولوجيا التطورية و التى يتبناها بروفيسور "هيج" ، فإن جسم الجنين يعمل بما يكفل له أن يكون صحيحا و بالمثل يعمل جسم الأم بما يضمن لها أن تبقى على قيد الحياة ، لكن عمل كل منهما يكون فى إتجاه مضاد للآخر و يؤدى ذلك إلى نشوء تعارض فيما بين آلياتهما للبقاء و عندها يلجأ الجنين إلى التصرف بشئ من الطمع و لا يبالى بأى شئ سوى حصوله على الغذاء!

إن الإعتقاد السائد بأن الجنين يمكث غير فعال فى الرحم غير صحيح بالمرة ، لكن فى حقيقة الأمر فإنه يجد طريقه إلى جدار المشيمة فيبث فيها مواد معينة لتحث الأوعية الدموية أن تتوسع و تجلب له المزيد من الدم المحمل بالغذاء. و كنتيجة حتمية أثناء عملية الولادة بعد خروج الجنين و إزالة المشيمة ، تبقى الأوعية الدموية مفتوحة و تدفع بمزيد من الدماء فى الرحم لذلك تموت العديد من الأمهات بسبب النزيف.و فى حالة خاصة تحدث لـ 6% من النساء الحوامل تسمى "تسمم الحمل pre-eclimsia" ، يرتفع ضغط الأم الحامل بشكل خطير و يُعتقد أنه ليس إرتفاعا عرضيا بل مسببا من قبل الجنين الطماع الذى يبث مواد مجهولة فى مجرى دم أمه لترفع ضغط دمها! و هو ما يؤدى بدوره إلى تدفق المزيد من الدم عبر المشيمة محملا بالعناصر الغذائية الضرورية. و بالفعل أثبتت الأبحاث صحة نظرية بروفيسور "هيج"، فقد وُجد إرتفاع غير مبرر فى نسبة بروتين "sFlt1" فى دم الأم مسببا إرتفاع فى ضغط الدم و كما توقع "هيج" تماما ، البروتين ليس مصدره الأم ...و إنما الجنين!

فكرة كبيرة (7): كيف يقوم المخ بالحكم الأخلاقى على الأشياء؟


المتحدث: ليان يونغ ، أستاذ مساعد بعلم النفس ، جامعة بوسطن

كيف يحكم الإنسان على فعل ما إذا كان أخلاقى أم غير أخلاقى؟ لا يوجد إجابة مباشرة على هذا السؤال لأنه يعتمد على المعايير التى تتعبها فى حكمك على الأفعال : فهل أنت تحكم على أفعال الشخص بحسب نيته بغض النظر عن نتيجة أفعاله؟ أم أنك تحكم عليه بناءا على النتيجة النهائية لفعله بغض النظر عن نيته؟ و لذلك قد يبدو فعلا ما من وجهة نظرك أخلاقى و لكنه من وجهة نظر شخص آخر غير أخلاقى. و لأن تلك الأحكام لابد و أن تكون نابعة من مكان ما بالمخ ، قامت د. يونغ بتصوير أدمغة أشخاص تحت الدراسة أثناء قيامهم بإطلاق الأحكام على حالتين من الأفعال: الحالة الأولى هى "قتل غير متعمد": و فيها لم يكن لدى الفاعل نية للقتل و لكنه فى النهاية كان السبب فى موت الضحية عن طريق الخطأ ، أما الحالة الثانية فهى "محاولة قتل متعمد": بمعنى أن الفاعل كانت لديه نية مبيتة للقتل و لكنه لم ينجح فى تحقيق نيته.

بالطبع إختلفت أحكام الأشخاص محل التجربة على هاتين الحالتين بناءا على منظورهم. فإذا كان الشخص يحكم من منظور أن الفاعل يحاسب على نيته و ليس نتيجة فعله، يسجل جهاز التصوير لدى هؤلاء نشاطا زائدا فى منطقة معينة من المخ معروفة بإسم "الفص الصدغى الأيمن". أما الأشخاص الذين قاموا بالحكم على الفاعل بناءا على نتيجه فعله فيبدى هؤلاء نشاطا ضعيفا فى منطقة الفص الصدغى الأيمن عند تصوير الدماغ. و لأن الفص الصدغى الأيمن يبدو أنه يلعب دورا هاما فى مسألة الحكم بناءا على نوايا الأشخاص، فلابد و أن تعطيله سوف يغير من الطريقة التى ينتهجها الشخص للحكم على الأمور ، و بالفعل إستخدمت "يونغ" تقنية "TMS" لتعطيل منطقة الفص الصدغى الأيمن بشكل مؤقت لثوانى معدودة ، و خلال هذه الثوانى يعاد عرض الحالتين على الأشخاص محل التجربة و تكون المفاجأة أن الأشخاص الذين كانوا يحكمون مسبقا بحسب النية صاروا الآن يحكمون بناءا على النتائج النهائية! و بوضع أشخاص مصابون بمرض التوحد تحت الإختبار وُجد أنهم أيضا يحكمون بناءا على النتائج النهائية بغض النظر عن النوايا لذا فمن الواضح أن منطقة الفص الصدغى الأيمن لديهم معطلة تلقائيا. الخبر الجيد فى النهاية أننا بالرغم من عدم علمنا ما يدور فى دماغ الناس إلا أننا نهتم كثيرا بمعرفة ما يدور هناك و لذلك فإن دماغنا مجهز للقيام بتلك المهمة.

فكرة كبيرة (8): العودة إلى المدن فى العصر الرقمى


المتحدث: إدوارد جليسر ، أستاذ الإقتصاد بجامعة هارفرد

فى القرن التاسع عشر كان أغلب سكان الولايات المتحدة الأمريكية يميلون إلى شغل المساحات الفارغة عوضا عن التكدس فى مكان واحد ، لكن منذ بداية القرن الحادى و العشرين نجد المزيد و المزيد ينزحون إلى المدن بالرغم من إكتظاظها سلفا. و لذلك فإن معرفة أن نسبة 50% من سكان العالم يقطنون فى المدن لا تبدو مفاجأة بل و من المتوقع لها الزيادة. تلك الكثافة المتزايدة ترتبط إرتباطا مباشرا بمتوسط دخل الفرد فى تلك المدن، فبالمقارنة بين المقاطعات الأمريكية وُجد أن الأكثر إزدحاما بالسكان من بينها يتمتع أفرادها بمستوى دخول أعلى بنسبة 50% عن الأفراد فى المقاطعات الأخرى الأقل إزدحاما منها. إذن فقد كان "غاندى" مخطئا حينما قال "إن نمو الأمة لن ينبع من مدنها بل من قراها" ، فإن نموالهند يقوده سكان المدن.

لماذا يختار الناس الإقتراب من بعضهم البعض و التكدس فى المساحات الضيقة؟ بالرغم من التطور الثورى فى تكنولوجيا الإتصالات و الإنترنت، فلماذا لم تندثر المدن ؟ السبب فى ذلك أن البشر كائنات إجتماعية ، و الكائن البشرى يستمد ذكائه من وجود بشر أذكياء من حوله و هذا هو ما توفره المدن بما فيها من تكدس و إكتظاظ. إن المدن آلات للتعلم فإننا نولد بموهبة فطرية و هى المقدرة على التعلم مِن مَن هم حولنا من آبائنا و أمهاتنا و أقربائنا . و هو الأمر الذى يزيد من قدرة سكان المدينة على الإبداع و خلق أفكار جديدة تؤدى بدورها إلى إرتفاع ملحوظ فى متوسط دخول الأفراد فى المدن المكتظة عن غيرها من الأقاليم و الريف.

و إلى هنا تنتهى الأفكار الكبيرة ، مخلفة ورائها تساؤلات أكبر ...و بالعلم وحده تكون الإجابة.

الاثنين، 21 مايو 2012

أفكار كبيرة لأناس مشغولين! - الجزء الأول




تتسم حياة إنسان القرن الحادى و العشرين بنمط متسارع، و قل ما تسنح له فرصة التوقف من أجل إلتقاط الأنفاس و من ثم فإن الإطلاع على آخر ما توصلت إليه ألمع العقول فى العلوم و التقنية هو أبعد ما يكون عن جدوله اليومى. و من هذا المنطلق عقد "جون ديورانت" مدير مهرجان كامبريدج للعلوم* 2012 إتفاقا مع الحضور الواسع للمهرجان: إذا كنت مشغولا على الدوام و لا تمتلك الكثير من الوقت ، إستمع إلى فكرة بحثية جديدة فقط فى خمس دقائق و ذلك من خلال العرض العلمى "أفكار كبيرة لأناس مشغولين Big ideas for Busy people" و الذى حضره جموع عريضة من المشغولين ! قدم تسعة من أبرز باحثى و علماء معهد ماستشوستس و جامعتى بوسطن وهارفرد أفكارهم تباعا عن أحدث أبحاثهم الجارية ، بهدف إشارك العامة من الناس فى تفاصيل ما يجرى خلف أبواب المختبرات المغلقة. و الآن إليك عرضنا ، تعرف على فكرة واحدة فى دقيقتين، طالما تستطيع القراءة بالمعدل الطبيعي و هو 200 كلمة فى الدقيقة!


فكرة كبيرة (1) : تصميم التقنية من أجل مليار فى قاع


المتحدث: بروفيسور "محمد زمان" الأستاذ المساعد بتخصص الهندسة الطبية ، جامعة بوسطن.


لا شك فى أن أبحاث بروفيسور "زمان" باكستانى المنشأ ، مدفوعة برغبته فى إيجاد حلول بسيطة لمشكلات فقراء العالم الذين يقعون فى قاع السلم الإقتصادى، و بالطبع فإن أعمق مشكلات هؤلاء تتمحور حول الأمراض القاتلة مثل الإيدز والملاريا التى أصابت 225 مليون شخص حول العالم أغلبهم فى البلدان الفقيرة خلال عام 2011 فقط. و لكن ما يزيد من معانة هؤلاء هو عدم صلاحية الدواء المتاح فى الأسواق ، فتجد فى بلد فقير مثل نيجيريا نحو 40% من مضادات الملاريا إما مغشوشة أو غير مطابقة للمواصفات أو غير فعالة بالمرة. و هو الأمر الذى يؤدى بمتلقى العلاج إلى الوفاة ليس فقط لأن الدواء مغشوش لكن لأنه أيضا قد جعل جسم المريض يرفض العلاج الحقيقى! و من هنا بدأت رحلة بحث بروفيسور "زمان" عن حل سهل و بسيط و رخيص للتأكد من صلاحية الأدوية ، إلى جانب سهولة إستخدامه فى أى مكان سواءا أكان فى مدينة كبيرة نسبيا كـ"نيروبى" فى كينيا إلى أصغر قرية فى باكستان.




أما الحل المثالى الذى يتناسب مع تلك المواصفات فيتمثل فى شريحة مبتكرة ، مستطيلة الشكل و هى أكبر فى الحجم قليلا من عملة معدنية ، تبدو للرائى كقطعة زجاجية شفافة عديمة النفع إلا أنها السبيل لنجاة مليارات من المرضى الفقراء ! فقط بإذابة قرص الدواء المشكوك فى أمره ، و تمرير جزيئاته من خلال فتحة صغيرة على سطح الشريحة عندئذ تتحد جزيئات الدواء بمواد كيميائية موجودة سلفا داخل الشريحة. و فى خطوة أخيرة للكشف عن حقيقة الدواء ، يُسلط شعاع ضوئى على السطح العلوى للشريحة عندها يمكن التعرف على حجم جزيئات الدواء و نسبتها و كميتها و ذلك بتحليل الضوء الذى عبر الشريحة خارجا من سطحها السفلى. و هى تقنية واعدة يجرى فيها البحث الآن على قدم و ساق و تعرف بإسم "مختبر على شريحة Lap on Chip". و بذلك يسهل التفريق بين الدواء المغشوش و الدواء السليم من خلال إختبار تحليلى يقوم على شريحة صغيرة يبلغ سعرها 10 سنت أمريكى على الأكثر!


فكرة كبيرة (2): ماذا يحدث لو تمكنا من العيش 101 سنة؟


المتحدث: جوزيف كوفلين ، مدير مختبر الشيخوخة بمعهد ماستشوستس للتقنية.

فى بداية القرن العشرين كان متوسط الأعمار يبلغ 47 عاما أما اليوم فقد تخطى حاجز الـ 85 عام. و طبقا لما ورد فى دراسة هولندية لعام 2009 فإن 50 % من حديثى الولادة اليوم فى البلاد الغنية من المتوقع لهم العيش حتى بلوغ سن المئة! و هذا هو التحدى الذى يواجه الباحثين فى مختبرات الشيخوخة بمعهد ماستشوستس للتقنية: كيف نجعل 30 عاما إضافية على حياة هؤلاء تستحق العيش و ليس إطالة لمعانتهم فيها؟ و للإجابة عن هذا التساؤل ، أنشأ الباحثون فى مختبر الشيخوخة نظام "أجنيسAGNES " و هو عبارة عن بذلة يرتديها الشخص ليحاكى عددا من الحالات المزمنة التى لابد و أن يعانى منها كبار السن كإلتهاب المفاصل و ضعف العضلات ، ليتحرك مرتدى البذلة كما لو كان فى أواخر السبعينات من عمره! و لأن البنية التحتية الحالية لمجتمعاتنا غير مجهزة للتعامل مع كبار السن ، على الباحثين إستخدام نظام "أجنيس" لجمع المعلومات التى تساعد فى إنشاء بنية تحتية تجعل حياة كبار السن أسهل.

بداية من المواصلات العامة و موقتات عبور المشاة ، التى لابد و أن تعتمد على السرعة التى يستطيع بها العجائز عبور الشارع .و من ناحية الوقت الذى يقضيه كبار السن خلف عجلة القيادة ، يجب ألا يمثل فاصلا من الألم و المعاناة ، لذا يلزم تعديل أنظمة السيارة لكى تتمكن من إكتشاف حالة السائق كالشعور بالإرهاق أو التعب بل و تغير من أدائها بحسب طريقة قيادته لها. حالة محاكاة أخرى يستخدم "أجنيس" لدراستها و هى التسوق فى محال البقالة ، فهل وضع البضائع الإستهلاكية فى الرفوف العليا أم فى الرفوف السفلى هو الأفضل؟ و ذلك من أجل إعادة تصميم المحال لكى تتناسب مع كبار السن. و خلاصة القول أن إبتكار سيارات خاصة أو ركن تسوق مخصص للعجائز لن يلقى قبولا من كبار السن! لأن هؤلاء لا يحتاجوا إلى ما يذكرهم بعجزهم و عدم مقدرتهم على أداء المهام ، لذا فإن الأصل فى هذه الأبحاث هو إعادة تصميم المجتمع لجعل الأنشطة الحياتية أسهل و أقل تعقيدا و أكثر أمنا للعامة من الناس صغارا أكانوا أو كبارا.
تعرف على المزيد من التفاصيل عن نظام "أجنيس" من خلال المقطع التالى:


فكرة كبيرة (3): فن الأوريجامى ...من العلم إلى المنحوتات


المتحدث: إيريك ديماين ، الأستاذ بتخصص الهندسة الكهربية و الحاسوب بمعهد ماستشوستس للتقنية.

يجمع بروفيسور "ديماين" بين تخصصه فى البرمجة الحاسوبية و كونه فنانا فى طى الورق المسمى (فن الأوريجامى). و من ورقة كبيرة مربعة الشكل يمكنه الحصول على أى شكل ثلاثى الأبعاد يريده مهما كانت تعقيده و السر يمكن فى إستخدامه الرياضيات لبناء أى جسم من ورقة واحدة و بدون قطع واحد! انظر إلى منحوتات الأوريجامى الفنية المبهرة ، إنها بلا شك تحتاج إلى يد متأنية تثنى طياته الواحدة تلو الأخرى حتى إكتمال المنحوتة فى صورتها النهائية، لكن ما رأيك فى أوريجامى يطوى نفسه بنفسه! نعم.. تخيل ورقة روبوتية ثنائية الأبعاد تغذيها بتيار كهربى ، و فجأة تدب فيها الحياة و تتحول إلى أى شكل تريده فى ثوانى معدودة . أما التيار الكهربى الذى يغذى الورقة فيتم التحكم فيه من خلال خورزميات حاسوبية فتتشكل الورقة بحسب الأوامر التى تتضمنها الخورزمية ، و التى تختلف بإختلاف الشكل المراد تحقيقه. نفذ "ديماين" نموذجا مصغرا من الورقة الروبوتية و أنشأ منها منحوتات مصغرة على شكل طائرة و مركب شراعى ، شاهدها فى المقطع التالى:


تخيل مستقبلا تذهب فيه إلى متجر بيع الاثاث لشراء أريكة ، و لكنك حالما تعود إلى المنزل تجدها أكبر أو اصغر من المساحة المخصصة لها ، فتعيد برمجتها لكى تصبح أكبر حجما مثلا ، أو تحولها إلى سرير من أجل مبيت الضيوف فى منزلك! بل تخيل أنك بدلا من تحميل البرامج و التطبيقات لتشغيلها على جهاز الآى فون خاصتك ، فإنك تقوم بتحميل "جهازا" كاملا فى صورة خورزميات حاسوبية لكى تحول الآى فون إلى آى باد أو جهاز لابتوب محمول! بالرغم من جموح تلك التخيلات إلا أن الأساس النظرى الذى تقوم عليه تم إثباته عمليا بالفعل و كما يعمل على الورق فهو يعمل على البلاستيك و المعادن أيضا. و لا تخلوا الأنظمة البيولوجية من الحاجة إلى "الطى" بين حين و آخر ، فتقنية الأوريجامى مستخدمة طبيعيا فى خلايا جسم الكائن الحى! و من داخل كل خلية ينفذ كل بروتين الأوريجامى الخاص به و بحسب شكل أوريجامى البروتين تتحدد وظيفته لذا فإن تقنيات الأوريجامى التى بين أيدينا الآن يمكن تطبيقها على مستوى البروتينات لإعادة تشكيلها و التلاعب بوظيفتها بما يتناسب مع الأهداف الطبية و الصحية.

فكرة كبيرة (4): المادة قرب درجة حرارة صفر


المتحدث: بروفيسور ولفجانج كاترلى ، أستاذ الفيزياء بمعهد ماستشوستس للتقنية ، و الحاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء لعام 2001.

تبدو ذرات المواد فى درجة حرارة الغرفة العادية للوهلة الأولى فى حالة من السكون و الإستقرار بينما العكس هو الواقع. تتعارك الذرات فيما بينها و تتحرك فى حالة من التدافع و العشوائية ، بصورة يصعب معها التحكم فى سلوك المواد . و كما يخدر الجراح المريض من أجل أن يكون مستقرا تحت مبضعه أثناء العملية الجراحية ، قام بروفيسور "كاترلى" بتبريد ذرات المواد بالقرب من الصفر المطلق و عندها توقفت الذرات عن الحركة تماما و أصبحت فى حالة من الإنسجام التام! و هى حالة يشبهها "كاترلى" بحركة "المارش العسكري" ، فلم تعد كل ذرة تعمل منفردة بل صارت تتشارك إيقاع ثابت فى منظومة متناغمة و هذه الحالة من المادة معروفة علميا بإسم "كثافة بوز-أينشتاين Bose- Einstein Condensate".

و الآن بعد أن أصبحت الذرات فى حالة تناغم ، صار من الممكن التلاعب بها و تغيير أماكنها فى المنظومة بل و إعادة ترتيبها بشكل أو بآخر! و هى عملية يطلق عليها بروفيسور كاترلى "الليغو الذرى" نسبة إلى لعبة البناء و التركيب الشهيرة "الليجو LEGO". تُستخدم أشعة الليزر فى عملية إعادة بناء و ترتيب الذرات ، فتعمل بمثابة ملقط للتلاعب بالليغو الذرى لتغيير بنية المادة. و بذلك تفتح تلك التقنية آفاقا واسعة لبناء مواد جديدة تماما ذرة بذرة ، لنحصل منها على خصائص مدهشة غير موجودة فى الطبيعة من أجل تطبيقات و أجهزة أكثر تطورا.

____________________
نتوقف الآن ليعود كل منا إلى ما يشغله لنكمل باقى الأفكار الكبيرة الأسبوع القادم إن شاء الله...

* أقيم مهرجان القاهرة للعلوم بالتوازى مع مهرجان كيمبريدج للعلوم ، كما أقيم عرض "أفكار كبيرة لأناس مشغولين" أيضا بالتوازى و أتيح لحضور مهرجان القاهرة النقاش المباشر مع بعض من هؤلاء الباحثين بواسطة الفيديو كونفرنس.

الصفحات