الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

مرض السرطان: ليس حديث العهد كما كنا نتصور

فى وقت ما منذ ما يقرب من 2250 عام عانى مصرى قديم فى عصر البطالمة نطلق على موميائه اليوم إسم "M1" ، من مرض مجهول صاحبه ألم شديد فى إسفل الظهر.و مع إنتشار مرضه فى مناطق إخرى من جسده ، اضحت حركته صعبة و مضنية. و بعد وفاته البطيئة متدثرا فى آلامه ، سارع أهله بدفع تكلفة تحنيطه بالرغم من أنه ليس من طبقة الصفوة أو الأغنياء إلا أنهم قد ارتؤوا تجهيزه لكى يبعث فى حياة أخرى رغدة سعيدة يعوض فيها ما عاناه فى الدنيا من آلام مريرة.

أما الرغد و السعادة فقد كانا من نصيب الفريق البحثى القائم على مومياء "M1"، و بعد قرون طويلة مرت على تحنيطه يرسلون بتحياتهم إلى ذويه فى "العالم الآخر" فلولا إتخاذهم قرار تحنيط "M1" لم يكن الباحثون ليتعرفوا على أقدم حالة من سرطان البروستاتا فى مصر القديمة و ثانى أقدم حالة فى التاريخ. سعادة الفريق البحثى كانت لأن إكتشافهم هذا بمثابة الضربة القاضية لضحض النظرية القائلة بأن مرض السرطان من صنع الإنسان الحديث و ما فى ذلك من إلقاء باللوم على الثورة الصناعية و تبعاتها .


و للسرطان تاريخ...

إن تاريخ مرض السرطان موغل فى القدم أكثر مما نتخيل، حتى أنه يعود إلى ما قبل التاريخ، فى عصر سادت فيه الأرض زواحف عملاقة إسمها الديناصورات! تخبط "جروجوصورس"- آكل اللحم- كثيرا و أصيب بالعديد من الكسور و الجروح الغائرة المندملة كما كان واضحا على هيكله العظمى البالغ من العمر 72 مليون عام و المكتشف سنة 1997 ، لم يكن ذلك لضعف الجروجوصورس المسكين و قلة حيلته بين أقرانه آكلى اللحم ،إنما إصابته بورم ضخم بحجم كرة البيسبول فى المخ أفقده السيطرة على إتزانه و من ثم تعرضه الدائم للإصابات البالغة. لم يكن هذا الإكتشاف الأول و لا الأخير لأورام سرطانية فى الديناصورات، وجد دكتور "روتشيلد" أن ظاهرة مرض السرطان فى الديناصورات تستحق بحث موسع و شامل ، فحمل معه جهاز المسح بأشعة أكس و سافر إلى شمال أمريكا بصحبة فريقه البحثى من جامعة أوهايو لإجراء مسوح على 10000 فقرة ظهرية لأكثر من 700 عينة من المتحف لأنواع مختلفة من الديناصورات. و بالفعل كانت نتيجة المسح إكتشاف 29 ورم عظمى من 97 و هو العدد الكلى لعينات ديناصورات "هيدروصوراس" آكلة العشب.

أما الأسباب وراء إصابة الديناصورات بالسرطان فى هذه الحقبة البعيدة من الزمن هو لغز تعددت فيه النظريات ، أكثر هذه النظريات جموحا تلك التى فسرت الوفاة الجماعية و المفاجأة للديناصورات. مع دراسة علماء الفلك لعمق كوننا وجدوا أن كوكب الأرض قد تعرض لكميات متغيرة من الإشاعات القادمة من الفضاء على مدار عمرها و بناءا على تلك الملاحظة ، رجحت إحدى النظريات المتحمسة أن أوراما سرطانية سببتها إشعاعات متأينة من الفضاء ربما قضت على الديناصورات عن آخرها! لم تبقى تلك النظرية طويلا على الساحة العلمية إذ سقطت سقطة مدوية بدفعة من دراسة حديثة أجراها "روتشيلد"، قارن فيها ما بين معدل حدوث مرض السرطان فى فقاريات العصر الحالى و معدل حدوثه فى العينات الـ 700 التى أجرى عليها دراسته السابقة و كانت النتيجة أن معدل الحدوث واحد تقريبا و لم يختلف من ملايين السنين عن الآن.


رؤية ساخرة: التدخين هو السبب وراء إصابة الديناصورات بمرض السرطان!!

إختفت الديناصورات من على وجه الأرض و إختلفت الآراء حول السبب ، و لكنها أفسحت المجال لظهور أشكال جديدة للحياة على كوكب الأرض و من أهمها ظهور الإنسان و بقى السرطان عاملا مشتركا. تناولت البرديات المصرية القديمة وصفا لمرض السرطان، وتعد بردية "إيبرس" (1500 قبل الميلاد) كتابا متكاملا لأنواع الأورام المختلفة مع العلاجات المتاحة لكل نوع لكن معظم تلك العلاجات معتمدة على السحر و الرقيات.


بردية إيبرس

إحتوت الكتابات الإغريقية منذ القرن الخامس قبل الميلاد عن مرض السرطان، و شارك العالم الإغريقى "أبقراط" الملقب بـ "أبو الطب" بالنصيب الأكبر آنذاك فقد لاحظ طبيعة الورم السرطانى و ميز شكله على هيئة "سرطان البحر Carcino" و من هنا جاءت تسميته، كما ميز الإغريق ما بين الأورام الحميدة و الخبيثة.

و كما شهَدت الأدبيات العلمية القديمة المتمثلة فى البرديات و الكتابات على إنتشار مرض السرطان قديما ، شهَدت مومياءاتهم أيضا على ذلك. فحصت جمعية علم الأمراض القديمة التى تأسست فى سبعينات القرن الماضى ، مئات المومياءات المصرية القديمة كما درس نادى الأمراض القديمة التابع لجامعة فيرجينا مئات أخرى من المومياءات من تشيلى و بيرو ، فكانت النتيجة إكتشاف العديد من الأورام السرطانية الحميدة فى الأيدى و الأرجل و بعض الأورام التى أصابت الأعصاب. كانت الأورام الخبيثة أيضا لها نصيب من الإكتشاف، فى مومياء طفل من تشيلى يرجع تاريخها إلى عام 003-600 م. و مؤخرا كان إكتشاف العالم "زيمرمان" فى 2003 لحالة سرطان المستقيم فى مومياء مصرية قديمة تعود إلى العصر البطلمى وُجدت فى الواحات الداخلة.

السرطان: مرض قديم أم حديث أم شئ فيما بينهما؟!

العنوان السابق كان لمقال نشره "زيمرمان" فى 2010 تناول فيه تاريخ مرض السرطان و خلص فى نهاية مقاله أن السرطان مرض حديث النشأة من صنع الإنسان! وأن الأورام المكتشفة فى المومياءات القديمة هى حالات أغلبها غير مؤكد أما المؤكد منها إن دل على شئ فهو يدل على ندرة المرض قديما لأن مسبباته غير موجودة فى الطبيعة، فبيد الحداثة و التطور تعاظم مرض السرطان و أصبح المسئول
الثانى عن موت البشر بعد الأمراض القلبية فى العالم الحديث.

لقى مقال زيمرمان نقدا واسعا من جموع العلماء و المتخصصين، لأن رؤية زيمرمان لعدم وجود أى مسببات فى الطبيعية قادرة على حث مرض السرطان للظهور و هو رأى خاطئ تماما. الديناصورات آكلة العشب "هيدروصوراس" ربما أصيبت بالسرطان لأكلها من أوراق الأشجار من فئة الصنوبريات المحتوية على مواد مسرطنة. الأشعة فوق البنفسجية تنبعث من الشمس منذ بدء الخليقة و سرطان الجلد نتيجة طبيعية للتعرض لها، كذلك إستنشاق الدخان و مخلفات الإحتراق (السناج الأسود) مسبب للسرطان، ناهيك عن الإصابة بالعدوى من الفيروسات المنشرة حولنا و التى تصيب بسرطانات فى الكبد و الحوض.لذا فإن الإنسان القديم لم يكن بمعزل عن المواد المسرطنة كما هو الحال مع الإنسان الحديث.

يعانى البشر اليوم من تبعات التطور فوجدت المواد المسرطنة لها مكانا فى البيئة المحيطة و الطعام. بالرغم من هذه الحقيقة فإن حدوث مرض السرطان فى عصرنا الحديث يعتمد بشكل أساسى على نمط و أسلوب حياة الفرد ، إلى جانب العوامل الطبيعية الخارجة عن إرادتنا بالطبع . لكن ذلك الأمر و لحسن الحظ يمكن لكل فرد التحكم فيه ، التدخين كمثال مسئول عن ربع حالات الإصابة بالسرطان حول العالم ، و منعه نهائيا يمكن أن يخفض الإصابة بالمرض. إنتهاج الإنسان لأسلوب حياة صحى قائم على نظام غذائى سليم و تجنب السمنة بممارسة الرياضة بشكل دائم و الإبتعاد قدر الإمكان عن مسببات السرطان المعروفة مثل التدخين و تناول المشروبات الكحولية و التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة ، تجعله بمأمن من المرض.


الخلاصة: السرطان مرض قديم

الحضارات القديمة لم تكن متطورة بالشكل الكافى فى مجال إكتشاف و علاج الأمراض فكان متوسط حياة الفرد آنذاك لا يتعدى 40-50 عام. بالتالى لم يكن مرض السرطان سمة ظاهرة ، حيث أن السرطان مرض مرتبط بالتقدم فى العمر لأن الوقت عامل رئيسى يحتاجه المرض لكى يتكاثر و يثبت دعائمه فى جسم الإنسان لذلك يزداد حدوثه فيما بعد الـ 50 من العمر مع إمكانية حدوثه لمن هم دون هذا السن بالطبع. قُدر عمر مومياء المصرى القديم "M1" عند وفاته بنحو 51 إلى 60 ، لذا فهو قد نجى من الموت فى سن صغيرة لكنه كبر فى السن ليواجه الموت بالسرطان. فإذا كانت الفرصة سانحة للإنسان القديم أن يعيش لفترات أطول ، فإن معدل إصابته بمرض السرطان سوف تكون مساوية لقرينه الإنسان الحديث.

إن مرض السرطان قديم قدم الزمان و إكتشاف إصابة مومياء "M1" بسرطان البروستاتا كان بفضل جهاز المسح المقطعى الجديد البالغ الدقة الذى لم يستخدم قبل سنة 2005 ، و هو قادر على كشف أورام بقطر أقل من 1 مليمتر و هذه التقنية لم تكن متوفرة لزيمرمان و من قبله من علماء الأمراض القديمة الذين فاتهم إكتشاف الأورام فى المومياءات و بقايا الديناصورات بالرغم من وجودها تحت أنوفهم مباشرة و فى ذلك ضحض علمى و مباشر للقائل بأن السرطان مرض حديث من صنع البشر.

إجراء المسح المقطعى على المومياءات
__________________
المصادر:


هناك 17 تعليقًا:

  1. Thank you, I love your topics that have a medical essence.

    ردحذف
  2. العفو على إيه يا أمنية
    الموضوعات الطبية بتشد ناس كتير فعلا
    لأنها بتكون مرتبطة إرتباط مباشر بينا و بأجسامنا
    عشان كده بتلاقى إهتمام كبير ناحية الموضوعات الطبية و الصحية أكتر من أى فروع علمية أخرى
    شكرا ليكى إنتى لتعليقك الجميل
    و يا ريت تشرفينى هنا دايما ^ــ^

    ردحذف
  3. دا الي بقالي اسبوعين بفتش عليه
    شكرا جزيلا

    ردحذف
  4. دا الي بقالي اسبوعين بفتش عليه
    شكرا جزيلا

    ردحذف

الصفحات