السبت، 18 ديسمبر 2010

السحر و خداع الدماغ-الجزء الثانى

علمنا فى الجزء الأول كيف أن ليس كل ما تراه العين يكون صحيح، لأن المخ هو المتحكم الكلى فى العملية الإبصارية و هو مانطلق عليه الخداع البصرى و فيه يمكنك أن ترى الملعقة تنثنى بمجرد النظر إليها أو ثوب يتغير لونه من الأبيض للأحمر فى طرفة عين،و لكن ماذا إذا كان الخداع يتم على مستوى أعمق بكثير ...من داخل المخ ذاته فى خداع من نوع خاص جدا....الخداع الإدراكى.


الخداع الإدراكى

يستخدم الساحر فى هذا النوع من الخداع ما يعرف بإسم"تشتيت الإنتباه"، بمعنى أنه يوجه إدراك المشاهد إلى إتجاه أخر حتى يدارى حيلته فلا يفهمها الجمهور. إذن فتشتيت الإنتباه يقوم على جذب إنتباه المشاهد بعيدا عن الإسلوب(السر وراء الحيلة) و توجيهه إلى الحيلة ذاتها . و أسلوب تشتيت الإنتباه يقوم على طريقتين إما "التشتيت الخفى" أو "التشتيت الصريح". فى تشتيت الإنتباه الصريح يقوم الساحر بتحويل نظر المشاهد بعيدا عن الإسلوب ، مثل أن يقول الساحر للجمهور "إنظروا إلى يدى أو إنظروا داخل القبعة"، إذن هو يقولها علانية للجمهور . أما تشتيت الإنتباه الخفى فيقوم على جذب إنتباه المشاهد بعيدا عن الإسلوب و بدون تحويل نظره! و هنا تكمن المهارة، فى أن الخدعة تتم أمام أعين الجمهور مباشرة و بدون حواجز إلا أن إدراكهم يكون فى إتجاه أخر تماما فلا يستطيعوا رؤية الحيلة. يرى المجتمع السحرى أن "تشتيت الإنتباه الخفى" هو الطريق الأرقى فى تشتيت الإنتباه، تشتيت الإنتباه الخفى هو أحد النماذج الإدراكية الشهيرة فى علم الأعصاب و المعروفة بإسم" عمى التغيير" و "العمى الغير مقصود".

عمى التغيير

لكى ندرك مفهوم عمى التغيير لابد و أن نشاهد اولا حيلة تغيير لون أوراق الكوتشينة



فى حالات "عمى التغيير" لا يستطيع المشاهد أن يميز التغيرات الحادثة أمامه مباشرة، سواء أكان هذا التغيير مقصود أو غير مقصود.مفتاح الحل هنا أن يقارن بين المشهد قبل التغيير و المشهد بعد التغيير حتى يدرك حدوث تغيير فعلا! مثلما رأينا فى حيلة تغيير لون ورقة الكوتشينة، لم يكن المقصود من الحيلة تغيير لون الورقة،بل تشتيت إنتباهك بأن تركز إدراكك بالكامل على ورق الكوتشينة و لا تنتبه للتغيرات الجذرية التى تحدث فى المشهد خلف الحيلة مباشرة! أشارت الدراسات إلى أن التغيرات الواضحة فى المشهد لا يمكن أن تلاحظ أذا تمت أثناء رمش العين أو حركتها اللاإرادية ، و كذلك أيضا أذا تمت هذه التغيرات بشكل تدريجى.

تطبيق آخر على حالة "عمى التغيير" لدينا الآن خدعة معروفة بإسم: هل نستطيع قراءة عقلك؟

هذا ما سوف نعرفه الآن. أنظر إلى مجموعة أوراق الكوتشينة التالية و أختر منهم ورقة واحدة فقط و تذكرها جيدا


نحن الآن على إستعداد تمام لتوقع الورقة التى إخترتها بنسبة دقة تصل إلى 98% ، تذكر الورقة و أنطق إسمها بصوت مسموع عدة مرات كى لا تنساه... هل أنت مستعد؟
الآن إضغط على العين السحرية هذه لكى تعرف توقُعنا للورقة التى إخترتها و حفظتها....


العمى الغير مقصود

فلننتقل الآن إلى حالة"العمى الغير مقصود" ، و نبدأ أولا بالتركيز فى الفيديو القادم، و محاولة معرفة عدد المرات التى إنتقلت فيها كرة السلة بين الأشخاص الذين يرتدون الملابس البيضاء.



إذن هل لاحظت الغوريلا فى الفيديو السابق؟ معظم من يشاهدون هذا المقطع يركزون تماما على مهمة العد المطلوبة و تركيز الإهتمام من أجل عدم خلط عملية عد كرات الفريق الأبيض مع كرات الفريق الأسود، و لا ينتبهوا على الإطلاق للشخص الذى يرتدى زى الغوريلا ،بينما تمر و تقف فى منتصف المشهد تماما بل و تضرب على صدرها بقبضتيها ثم ترحل تاركة المشاهد مازال يعد الكرات!
هذا ما يطلق عليه "العمى الغير مقصود" حيث يفشل الجمهور فى رؤية جسم واضح فى المشهد رغم أنه مرئى تماما. فى هذه الحالة لا يحتاج المشاهد إلى مقارنة هذا المشهد بالسابق لأن الشئ محل الإهتمام واضح تماما إلا أنه عجز عن رؤيته. الأبحاث المبنية على تجربة "الغوريلا" هذه أشارت إلى أن بيانات التتبع البصري للأشخاص تحت التجربة، أوضحت أنهم كانوا ينظرون إلى الغوريلا مباشرة إلا انهم لم يعوا وجودها!

من أجل التطبيق على خدعة سحرية حقيقة لحالة العمى الغير مقصود و مفهوم التشتيت الذهنى نعرض خدعة العملات المعدنية التى يقوم بها الساحر المشهور "تيلر".يعتمد تيلر على تشتيت الإنتباه و خفة اليد ليعرض هذه الخدعة المعروفة بإسم "حلم الرجل البخيل"! يبدأ تيلر الخدعة ممسكا بعدد 6 من العملات المعدنية المخفيه بيده اليمنى بينما يحمل بيده اليسرى دلو معدني، فى الحقيقة يحتفظ تيلر يده اليسرى الممسكة بالدلو عدد 6 من العملات المعدنية مماثلة لتلك التى فى يده اليمنى ، ثم يبدأ خدعته متظاهرا بجلب العملات من الهواء أو من أى شئ يستطيع أن تصل إليه يده ، من شعره ، و من ملابسه، أو من أذن أحد الجمهور ثم يضع كل عملة جديدة فى القبعة بصوت مسموع داخل القبعة .

فى البداية يرينا تيلر الدلو الفارغ و يبدأ بجلب العملات المخبئة سلفا داخل يده و لا يراها الجمهور

عن طريق توجيه تيلر لنظره نحو يده اليمنى هو بذلك يقوم بتشتيت خفى للجمهور، إذن بطريقة لاشعورية ركز الجمهور بصرهم على يد تيلر اليمنى فى حين تحقق هدف تيلر بتشتيت الجمهور عن يده اليسرى التى تحمل الدلو و التى يسقط بها العملات المعدنية التى لا يراها الجمهور من يده اليسرى

فى الحقيقة تيلر فى كل مرة يخرج نفس العملة من يده اليمنى بينما ما زالت باقى العملات محتفظ بها فى يده اليمنى و مستمر فى إسقاط العملات الأخرى التى فى يده اليسرى الواحد تلو الأخر مصدرا صوت مميز فى قاع الدلو فيظن الجمهور أن ما أسقط فى الدلو هى العملة التى فى يده اليمنى

حينما يبدأ الجمهور بالشك فى تيلر و أن العملات مخبأة سلفا فى يده اليمنى ، يقوم تيلر ببساطة بإسقاط 5 من العملات التى يحملها فى يده اليمنى فى حركة واحدة و هو ما يدهش الجمهور لأنه من المستحيل أن يخبأ تيلر 11 عملة ، ال 6 عملات التى إسقطها فرادى بالإضافة لل 5 عملات التى أسقطها بحركة واحدة

يجلب تيلر العملة الأخيرة من الهواء و هى أخر عملة أيضا مخبأة سلفا فى يده اليمنى و التى يظهرها للجمهور ليؤكد على حقيقة أنها فارغة!

و أخيرا يقوم تيلر بهز الدلو ليبين للجمهور ال 11 عملة بداخله فى نفس اللحظة التى يمسك فيها بأخر عملة جلبها من الهواء!

فى الخدعة السابقة نرى تطبيق إسلوب تشتيت الإنتباه بشكل واضح فى حالة من "العمى الغير مقصود" فهو فى هذه الحالة عمى إدراكى عن كون العملات موجودة مسبقاً فى كلتا يده اليمنى و اليسرى و لكن بسبب تشتت الجمهور فى "التركيز" فى شئ أخر و هو التلاعب بجلب العملات من الهواء أو من أى مكان كان أدى إلى حالة "عمى" عن الإسلوب كما ذكرنا سابقا.

إلى هنا إنتهى الجزء الثانى من السحر و خداع العقل و غداً نكمل مع الخدع السحرية الشيقة و كيفية الإستفادة منها فى الدراسات النفسية و العصبية.


هناك 9 تعليقات:

الصفحات