الجمعة، 17 ديسمبر 2010

السحر و خداع الدماغ- الجزء الأول


الخدع السحرية...تسحر عقولنا و تخطف أنفاسنا و تلعثم ألسنتنا...ما أن يخرج "الساحر" الأرنب من القبعة "الفارغة" أو "يقسم" مساعدته الحسناء إلى "نصفين" و تظل حية، حتى تلتهب أيدينا من التصفيق الحاد و نخرج من المسرح و نحن موقنون تماما ان ما رأيناه لسحر مبين!!!

لكن ما فعله هذا الساحر و بكل بساطة أنه "خدع" عقلك بطرق شتى و علم جيدا ما هى نقاط ضعف مخك و إستطاع أن يخترقها و بكل سهولة .الساحر هو أستاذ التحكم فى الوعى و الإدراك الإنسانى بل أنه قد يكون بذلك أكثر خبرة و علما من خبراء و علماء المخ و الأعصاب أنفسهم. الساحر يستطيع الخداع عن طريق تقنيات عديدة أشهرها على الإطلاق الخداع البصرى و الخداع الإدراكى، و يشاركهما الشهرة أيضا الخداع الضوئى الذى يتعمد على إستخدام الدخان و المرايا.

الخداع البصرى فى الألعاب السحرية

فى هذا النوع من الخداع، إدراك العقل للمؤثر الخارجى أى الخدعة السحرية يكون مغاير لحقيقتها . تقوم الشبكات العصبية فى المخ بمعالجة المعلومات البصرية الصادرة عن الخدعة السحرية بطريقة تصل بالمشاهد فى نهاية المطاف إلى إدراك خاطئ تماما. و تتعدد الأمثلة على الخداع البصرى فى الألعاب السحرية و سوف نتناول بعضها فى السطور القادمة.

إنثناء الملعقة


فى هذه الخدعة الشهيرة يدّعى "الساحر" قدرته السحرية على ثنى المعلقة فقط بقدراته العقلية بمجرد النظر إليها! حسنا حان وقت كشف الخدعة بالطبع تكون الملعقة مثنية بالفعل و لكن التأثير الدرامى مطلوب فى هذه الخدعة لكى يظهر الساحر و كأنه قد قام بثنى الملعقة بالفعل أمام المشاهد مباشرة. يقوم الساحر بإمساك الملعقة"المنثنية سلفا" بشكل رأسى فى يديه و بالتالى لا يلاحظ المشاهد أنها منثنية بالفعل. ثم يقوم بهز الملعقة إلى الامام و الخلف بحركة سريعة مع تثبيت نظره عليها حتى يخيل للمشاهد أن الملعقة أصبحت لينة عند العنق بل و تذوب و تنثنى فى يده! يمسك الساحر بالمعلقة بشكل أفقى لكى يتسنى للجمهور مشاهدتها منثنية بالفعل و تلتهب أكفهم بالتصفيق إلى هذا الساحر العظيم! دعنا الآن ننظر إلى الخدعة نظرة عقلانية لنعلم أن هذا الساحر إستغل نقطة ضعف فى النظام البصرى لكى يخدع الجمهور. تكمن الخدعة فى أن ردة فعل الخلايا العصبية المسئولة عن ترجمة حركة الأجسام و رؤية حوافها مثل الأركان و نهايات الخطوط، تكون مختلفة عن ردة فعل الخلايا العصبية المسئولة ترجمة الإهتزازات. عدم توافق ردة فعل الخلايا العصبية يؤدى فى النهاية إلى رؤية إنفصال بين نهاية خطوط و حواف المؤثر(الملعقة) و مركزها فتبدو الأجسام الصلبة و كأنها لينة عند منتصفها.




رؤية الأجسام التى تلاشت بالفعل

هذه الخدعة تعتمد على تأثير بصرى محض ، خدعة تغيير لون الثوب. يدخل الساحر المزهو بنفسه مصطحب مساعدته الحسناء التى ترتدى ثوب أبيض اللون. يتحدى الساحر الجمهور بأنه قادر على تغيير لون ثوب مساعدته من الأبيض إلى الأحمر فى طرفة عين! يركز الجمهور ببصره على المساعدة، و يحتفظ بصورة الحسناء ذات الثوب الأبيض على شبكية عينه ، و فى هذه اللحظة يتم تسليط ضوء أحمر قوى على ثوب المساعدة، بالطبع هنا لا تكمن الخدعة و إلا كانت خدعة سمجة، ما حدث حتى الآن أن صورة الحسناء المحفوظة على شبكية عيون الجمهور تبدلت من اللون الأبيض إلى اللون الأحمر فجأة.ينطفأ الضوء الأحمر لثوانى معددوة و تضاء الأنوار العادية و يفاجأ الجمهور بأن الحسناء أصبحت ذات ثوب أحمر بالفعل!! فلننظر إلى الخدعة نظرة العقل مرة أخرى، الخدعة تكمن فى أن المساعدة الحسناء كانت ترتدى الثوب الأحمر بالفعل تحت الفستان الأبيض و كلا الثوبين مصنوع من مادة رقيقة لا تلاحظ و لا يمكن إدراكها!! الهدف من تسليط الضوء الأحمر على الحسناء ذات الثوب الأبيض هو جعل اللون الأحمر هو اللون المنطبع على شبكية المشاهد و عندما تنزع المساعدة الثوب الأبيض و يظهر الرداء الأحمر فلا تميز العين هذه المرحلة الإنتقالية من الأبيض للأحمر لأن اللون الأحمر كان منطبع سلفا فى عيون الجمهور. هذه الظاهرة معروفة بإسم "تأثير ما بعد الصورة" و هو أن الخلايا العصبية البصرية تظل محتفظة بالصورة بعد زوالها لمدة تصل إلى 100 ملى ثانية و هو وقت كافى لكى ينفذ الساحرالخدعة و يتركك فى حيرة! تتكرر خدعة "تأثير ما بعد الصورة" هذه امام اعيننا الآن على شاشة الحاسوب ، إذ ان الصورة المعروضة أمامك على الشاشة الآن ليست ثابتة ، بل هى تومض و تخبو flickr أمام عينيك بصورة متتالية و لكنك لا تلاحظ ذلك لأن الخلايا العصبية تحتفظ بالصور لفترة زمنية تسمح للصورة بأن تومض مرة أخرى دون أن تلاحظ أنت أى تغيير.

إعوجاج الفضاء الثلاثى

إسم غريبة تحمله هذه الفقرة و لكن التسمية تأتى من طبيعة الخدعة.يطلب الساحر من الجمهور أن ينظروا إلى قرص يدور، يحتوى على ثلاث مناطق تتمدد و تتقلص مع دوران القرص حول نفسه مثل هذه الصورة


ثم يعرض على جمهور أجسام و أشياء مختلفة فيهأ للجمهور أن تلك الأجسام تتقلص و تتمدد أيضا! فى ظاهرة معروفة بإسم "تأثير ما بعد الحركة" مثل أن تنظر إلى نهر جارى أو شلال يتدفق ثم تحول بصرك إلى الصخور الثابتة على ضفة النهر أو حافة الشلل فيهأ إليك انها تتحرك فى الإتجاه المعاكس! و هذا التأثير من أوائل الخدع البصرية المكتشفة قديما و كانت معروفة سلفا بإسم" خداع الشلال" . من الناحية العصبية تعرف هذه الظاهرة بإسم" التأقلم العصبى"، بمعنى أن الخلايا العصبية تتأقلم على حركة التقلص و الإنكماش لذلك إذا نظرت إلى جسم ثابت بعد ذلك يظل التأثير قائم و ترى التقلص و الإنكماش يحدث أمام عينيك. جرب هذا التأثيربنفسك.



الخدع السحرية التى تعتمد على الخداع البصرية كانت من أهم الفقرات الشعبية المعروفة قديما و كانت تنطوى على أهداف أخرى سوى إبهار الجمهور، حيث كانت هذه الخدع هى افضل اللحظات من أجل أن يقوم "النشالون" بأعمالهم. غالبا ما يكون بين الساحر و النشال إتفاق مسبق،فيقوم الساحر بدوره فى تضليل الجمهور على أن يقوم النشال بدوره الأخر على أكمل وجه أيضا!!


نكتفى بهذا القدر و نكمل الجزء الثانى من السحر و خداع الدماغ و نتعرف على المزيد من الخدع السحرية أكثر سحرا و إبهارا و الأساس العلمى لكل منها غداً إن شاء الله.

هناك 11 تعليقًا:

  1. لما تجاهلتم المصادر؟ فتجاهلها تجعل القارئ يتجاهل المقروء

    ردحذف
  2. أولا شكرا لتفاعلك
    ثانيا تجاهل المصادر لم يكن مقصود
    و سوف نراعى ذكر المصادر فى المواضيع القادمة
    أما عن مصادر هذا الموضوع فهى كالتالى
    1- مقال من مجلة ساينتفك أميريكان العلمية عدد ديسمبر 2008
    2- مقال من مجلة ساينس العلمية عدد نوفمبر 2008
    3- مقال من مجلة وايرد wiredالعلمية إبريل 2009

    نحترم النقد البناء و نأخذه فى الإعتبار بما أن مصلحته الأولى الإرتقاء بمستوى موسوعة العلوم
    شكرا لك

    ردحذف
  3. موضوع رائع جداً...
    مشكورين على المجهود..
    لكن عندى استفسار ، هل هناك من السحر يتعامل فيه السار مع قوى فوق الطبيعة أو شئ من هذا القبيل...
    أو هل هناك سحر غامض لا يمكن تفسيره بالطرق العلمية...

    ردحذف
  4. موسوعة رائعة , انا اهتم بالعلوم كثيراً لذلك لقد اعجبتني .

    ردحذف
  5. عن جد كتييييييييير حلو

    ردحذف

الصفحات